أعاد الممثل المصري أحمد عيد تقديم نفسه للجمهور والنقاد، من خلال أدوار شديدة الصعوبة بالدراما التلفزيونية، التي كان في حالة خصام معها استمرت سنوات عدة، إذ لم تشهد مسيرته الفنية الممتدة منذ تسعينيات القرن الماضي، سوى أعمال قليلة للغاية حققت التواصل الجيد والنجاح مع جمهور الشاشة الصغيرة، لكنه رغم هذه التعثرات كان داخله شعور بأنه "ربما" في وقت ما سينجح في الدراما التلفزيونية.
ويعترف نجم مسلسل "الحشاشين" بأنه يخفق أحيانًا في اختيارات مسلسلاته، منها "ألف سلامة" الصادر عام 2013، إذ قال في تصريحات سابقه عنه: "ألوم نفسي عليه، خصوصًا أنه لم يتم الإعداد له بالشكل الأمثل، وعناصره الفنية لم تكن جيدة".
"ربما سأحقق ذلك يومًا ما"، و"ليس لي حظًا في الدراما التلفزيونية"، تصريحان إعلاميان مليئان بالشك للنجم أحمد عيد بشأن مستقبل تواجده الدرامي، أطلقهما قبل نحو 3 أعوام من الآن، بل إنه لم يصدق كل ذلك النجاح الذي حققه في رمضان الماضي، من خلال مسلسل "عملة نادرة" مُجسدًا شخصية مسعود عبدالجبار، الصعيدي الذي بداخله مشاعر حقد وطمع ويقتل أخيه حبًا للمال والثروة، في دور يبتعد تمامًا عن الكوميديا التي طالما أحبها في أعماله السينمائية والمسرحية والتلفزيونية.
وحقق العمل نجاحًا كبيرًا والدور الذي جسده أحمد عيد لفت انتباه صناع الدراما ومتابعيها، لكن الممثل ظن وقتها أن ربما يكمن السبب في أنه مجرد اشتياق من الجمهور لرؤيته أو تعاطف منهم معه، حسبما قال في برنامج تلفزيوني، رغم كل الإشادة النقدية التي نالها عبر مقالات عدة، وحالة الترحيب الكبيرة التي لقاها من جمهوره سواء عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو البرامج الفنية.
وأعطى هذا الترحيب دافعًا كبيرًا للممثل المعروف بأدواره الكوميدية إلى التمسك بالنجاح، ليبهر الجمهور في رمضان الجاري من خلال شخصية "زيد بن سيحون"، التي يجسدها في المسلسل التاريخي "الحشاشين"، حتى مع ظهوره بالشخصية لأول مرة أمام الشاشة لم يكن الكثير في البداية يدرك أن من يجسد هذا الدور هو أحمد عيد، خصوصًا أن مشاهده الأولى ظهر بها في هيئة رجل أحدب قبل أن يكشف حسن الصباح - يجسد دوره كريم عبد العزيز - أمره.
بهذا الدور شديد الثراء في تفاصيله، مع إتقان أحمد عيد رسم ملامحه، جعلته واحدًا من أبرز نجوم الدراما الرمضانية للعام التالي على التوالي، وتصبح جملة "ليس لي حظًا في الدراما التلفزيونية" ماضيًا في مشوار أحمد عيد الفني، إذ أثبت الواقع أنه فقط كان بحاجة إلى فرصة جاءته أخيرًا مع هذا التنوع الكبير الذي تقوده الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي في الوقت الذي تكتشف فيه نجومًا جدد، تعطي فرصًا مستحقة لنجوم كبار يبحثون عن مكانتهم الحقيقية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ إن بدايات أحمد عيد السينمائية شهدت محاولات عدة لحجز مكانًا بين النجوم الجدد، الذين تستقبلهم السينما، إذ تعرف عليه الجمهور لأول مرة، في دور "خيري" موظف الأمن الغلبان حسبما تم وصفه بالفيلم الكوميدي "حلق حوش" الصادر عام 1997، وقتها اهتمت الأقلام النقدية بالإشادة بنجوم العمل ليلى علوي ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين، ولم يلتفت أحد إلى الفتى الذي جسد دور موظف الأمن ذو الجسد النحيل، حتى عندما شارك بمساحة دور أكبر مع هنيدي في فيلم "همام في أمستردام" عام 1999، مجسدًا دور صديقه "نانا"، أشاد الكثيرون بانطلاق جيل جديد إلى السينما منهم أحمد السقا والفنانة موناليزا، التي اختفت عن الساحة الفنية بعد ذلك، لكن لم يلتفت أحد إليه.
المفارقة أن أغنية حملت اسم شخصية أحمد عيد في فيلم "همام في أمسترادم" أداها بطل العمل محمد هنيدي، أصبحت أكثر شهرة من الممثل الكوميدي الشاب وقتئذ، الذي ظهر في المشاهد الأولى من العمل ثم توارى دوره مع صعود أحداث الفيلم الكوميدي، لكن الجمهور والنقاد عرفوا بعد ذلك حجم الطاقة الكوميدية التي يختزنها الفنان الشاب مع تصديه لبطولة جماعية مع أحمد رزق وفتحي عبدالوهاب في عمل سينمائي كوميدي بعنوان "فيلم ثقافي" الصادر عام 2000، وحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في دور السينما.
وقتها، أدرك النقاد وصناع السينما وضع اسم أحمد عيد ضمن قائمة النجوم الكوميديان الجدد الذي تستهل بهم الألفية الجديدة بدايتها، وتحمس الوجه الجديد الذي درس في معهد الفنون المسرحية لهذه النوعية من الأعمال الكوميدية الرائجة حينئذ، خصوصًا مع حضوره القوي أمام كاميرات السينما وتميزه في الأداء الساخر.
أخلص عيد لفن السينما طوال 10 سنوات بعد "فيلم ثقافي" عبر أفلام، منها "ليلة سقوط بغداد" و"أنا مش معاهم" قبل أن يعرف طريقه من بوابة الكوميديا أيضًا إلى الدراما التلفزيونية بمسلسل "أزمة سكر" وحقق وقتها نسبة مشاهدة مرتفعة، لكن ثمة خصام حدث بينه وبين الشاشة الصغيرة ولم يستطع الاستمرار بنفس القوة قبل أن يلتقي عادل إمام في مسلسل "صاحب السعادة" واختفى بعدها عن الوجود المؤثر في الدراما التلفزيونية، لكنه عاد بـ"عملة نادرة" وأكد العودة القوية بـ"الحشاشين"، لتكتمل جسور الثقة مع الدراما التلفزيونية.