في قلب العواصم الغربية، تصدرت قضية الإجهاض وحقوق الإنجاب المشهد السياسي بقوة، فمن باريس إلى واشنطن، رفع الرئيسان إيمانويل ماكرون وجو بايدن أصواتهما بحماس، معلنين العزم على خوض معركة حاسمة للدفاع عن حرية المرأة واستقلاليتها.
في العاصمة الفرنسية، جرت مراسم تاريخية مهيبة لدسترة حق الإجهاض، وسط مشاهد مؤثرة وخطابات ملتهبة استحضرت آلام النساء عبر التاريخ، وفي لحظات مفعمة بالرمزية والإنجاز، طُبع التعديل الدستوري على نص القانون الأسمى للبلاد بآلة قديمة أمام حشود غفيرة من المتفرجين.
بينما في واشنطن، تحدث بايدن أمام الكونجرس بنبرة حازمة، واصفًا معاركه لحماية حقوق الإنجاب وتجنب "الفوضى" التي أعقبت إلغاء القرار التاريخي بالحق في الإجهاض المعروف إعلاميًا باسم "روي ضد وايد"، وفي خضم الحملات الانتخابية، وُضِعت الحريات الإنجابية أولوية قصوى على أجندة بايدن في محاولة لاستعادة ثقة الناخبين.
دسترة الاجهاض
في مراسم مؤثرة أقيمت لدسترة حق الإجهاض، قال ماكرون إن هذا التغيير التاريخي يمثل ختام معركة طويلة من أجل "الحرية، صراع مليء بالدموع والمآسي والمصائر المحطمة".
وأضاف ماكرون أن هذه المناسبة تذكرنا بـ "مصير أجيال من النساء اللائي حُرمن من أكثر الخيارات خصوصية: إنجاب الأطفال أم لا"، مستذكرًا معاناتهن وخوفهن وسريتهن المفروضة والعمليات غير القانونية والصرخات المكتومة التي كن يواجهنها.
وقال ماكرون: "لسنوات طويلة جدًا، كانت مصائر النساء مختومة بأيدي الآخرين، حياتهن محتجزة وحريتهن مهدرة".
موافقة برلمانية
وفي جلسة مشتركة في قصر فرساي يوم الاثنين الماضي، صوت أعضاء البرلمان الفرنسي لتكريس حق الإجهاض كحق دستوري. من بين 925 عضوًا مؤهلين للتصويت، أيد 780 عضوًا التعديل الذي يمنح النساء "الحرية المضمونة" لاختيار الإجهاض.
وسبق موافقة مجلسي النواب والشيوخ على التعديل، لكن كان لا بد من الموافقة النهائية من النواب في الجلسة المشتركة بقصر فرساي لإحداث هذا التغيير الدستوري.
مراسم تاريخية
تم ترسيخ هذا التعديل التاريخي بشكل رمزي باستخدام آلة طباعة من القرن التاسع عشر، نُصبت خارج وزارة العدل في قلب باريس، حتى يتمكن الجمهور من مشاهدة مراسم الطبع على الدستور.
وسط تصفيق الحشود من المسؤولين والسياسيين والمشاهير والجمهور، قام وزير العدل إريك ديبوند موريتي، بجانب ماكرون ورئيس الوزراء جابرييل أتال، بتشغيل الآلة اليدوية التي يبلغ وزنها 300 كيلوجرام لطبع التعديل.
عولمة القانون
وفي خطابه، أعلن ماكرون رغبته في إدراج هذا التدبير في ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، وأن يصبح حقًا عالميًا.
وحذر ماكرون قائلاً: "لن يكون اليوم نهاية القصة، بل هو بداية معركة جديدة. إذا أصبحت فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي يحمي دستورها حق الإجهاض في جميع الظروف، فلن نكل حتى يتحقق هذا الوعد في كل مكان.. سنخوض هذه المعركة في قارتنا أوروبا، حيث تهاجم القوى الرجعية دائمًا حقوق المرأة أولاً، قبل الانتقال إلى هجوم حقوق الأقليات والمضطهدين وجميع الحريات".
إنجازات نسائية
وفي يوم المرأة العالمي، اختار ماكرون التعبير عن اعتراف بلاده بإنجازات 10 نساء، بمن فيهن أولمب دو جوج المصلحة الاجتماعية التي كتبت "إعلان حقوق المرأة والمواطنة" في 1781، وسيمون فايل وزيرة الصحة السابقة التي أدخلت قانونًا لتشريع الإجهاض في فرنسا عام 1975، والمغنية والممثلة جوزفين بايكر.
بايدن وقانون الاجهاض
وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وفي خطابه حول حالة الاتحاد لعام 2024، أولى الرئيس الأمريكي جو بايدن اهتمامًا كبيرًا لقضية الإجهاض وحقوق الإنجاب، في محاولة لتجاوز المخاوف بشأن فرص إعادة انتخابه عبر التركيز على قضية أثارت حماس الناخبين مرارًا، منذ إلغاء حكم الحق في الإجهاض، المعروف باسم "روي ضد وايد".
قال بايدن: "سعى سلفي لإلغاء حكم (رو ضد وايد) وهو يفتخر بذلك"، في إشارة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، منافسه المفترض على الرئاسة، مضيفًا: "انظروا إلى الفوضى التي نتجت عن ذلك".
قانون الإجهاض وآمال الانتخابات
وعلق بايدن آماله في إعادة انتخابه إلى حد كبير على المشاعر المثارة من تهديدات حقوق الإجهاض، ولا سيما على نائبته كامالا هاريس، التي شرعت في جولة وطنية للتحذير من الخطر الذي يهدد الحرية الإنجابية في حال عودة ترامب للرئاسة.
زأدى إلغاء حكم "رو ضد وايد" الذي تم بمساعدة ثلاثة قضاة عينهم ترامب في المحكمة الأمريكية العليا، إلى سن أكثر من 12 ولاية لقوانين تحظر الإجهاض تقريبًا.
دعا بايدن ضيوف حضروا هذا العام خطاب حالة الاتحاد ولهم صلات بالنزاعات حول حقوق الإنجاب بعد إلغاء الحكم، بما في ذلك كيت كوكس، امرأة من تكساس اضطرت لمغادرة الولاية لإجراء عملية إجهاض طارئة، ولاتوريا بيزلي، امرأة من ألاباما توقفت عن إجراءات الإخصاب الصناعي الخاصة بها بعد حكم المحكمة العليا بأن الأجنة المجمدة "أطفال خارج الرحم".