على غرار عصابات أمريكا الوسطى، تشهد القارة الأوروبية موجة عنف متصاعدة بين عصابات المخدرات، حيث تقوم عصابات المخدرات في أوروبا بإنشاء "غرف تعذيب" مخبأة بين حاويات الشحن، بينما يتسلح الأطفال ببنادق الكلاشينكوف، وهم يقومون بإفراغ حمولات من الكوكايين من موانئ الحاويات بطول سواحل القارة العجوز.
هذا هو الواقع الجديد الذي تعيشه أجزاء من أوروبا التي تُعاني من عدد قياسي من عصابات التهريب والاتجار في المخدرات غير المشروعة، التي تتدفق داخل وخارج القارة.
لذا، حذّر مسؤولون أوروبيون، أمس الخميس، من أن سوق المخدرات في القارة، والتي تقدر قيمتها الآن بعشرات المليارات من اليورو، تدفع العصابات المتحاربة إلى "استخدام مستويات غير مسبوقة من العنف ضد بعضها البعض".
وفي مؤتمر صحفي عقدته وكالة إنفاذ القانون الأوروبية "Europol"، ومركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان عليها "EMCDDA"، كُشِف النقاب عن أحدث نظرة عامة لسوق المخدرات الأوروبية، والتي قدرت قيمتها بحوالي 30 مليار يورو سنويًا.
وقالت وكالات الأمن الأوروبية إن واردات "الكوكايين" وصادرات "الإكستاسي" وصلت إلى أرقام قياسية في عام 2022.
ووفقًا لأرقام EMCDDA، فإن مدنًا مثل بروكسل وأمستردام ولشبونة من بين أعلى معدلات تعاطي الكوكايين للفرد على وجه الأرض.
ولفتت إلى أن معظم أعمال العنف الجارية بين العصابات مرتبطة بالكوكايين والقنب.
واقع يومي
بينما لم تقدم السلطات الأوروبية إحصائيات حول حجم المشكلة، أشار أليكسيس جوسديل، مدير EMCDDA، إلى أن أوروبا تشهد الآن مستوى من العنف المرتبط بالمخدرات مماثلاً لذلك الموجود في أمريكا الوسطى.
وأضاف في المؤتمر الصحفي: "إنه جزء من الواقع اليومي في الاتحاد الأوروبي".
وقالت كاثرين دي بول، المديرة التنفيذية لـ Europol: "لقد وجدنا غرف تعذيب في الاتحاد الأوروبي. لم نر هذا من قبل. لقد تم استخدام هذا في أمريكا اللاتينية، ولكن ليس في أوروبا".
ورغم أن دي بول لم تحدد القضية التي كانت تشير إليها، ولكن أشار تقرير للنسخة الأوروبية من صحيفة "بوليتيكو" إلى اكتشاف ما يسمى بـ "حاويات التعذيب" في أوروبا، بالقرب من ميناء روتردام في عام 2020.
ونقلت الصحيفة عن كريس دالبي، مدير مؤسسة "عالم الجريمة" -مقرها هولندا- أنه على الرغم من أنه من المستحيل معرفة مدى انتشار غرف التعذيب في أوروبا، إلا أن القضية كانت بالتأكيد دعوة للاستيقاظ بشأن الخطورة المتزايدة لجرائم وعنف العصابات في أوروبا".
أيضًا، أشارت دي بول إلى أن هناك "عائلات بأكملها تعيش على الدخل الذي تحصل عليه، من خلال الشباب الذين يعملون في الجماعات الإجرامية".
البحث عن حلول
من المخاوف المتزايدة التي يواجهها الأوروبيون خلال مكافحتهم لانتشار عصابات المخدرات في القارة هو عمر الأشخاص الذين يعملون في الأسواق غير المشروعة.
ففي مرسيليا الفرنسية، تقوم العصابات بشكل متزايد بتوظيف المراهقين كمراقبين لقدوم الشرطة، أو لبيع المخدرات، ما يؤدي إلى قتل هؤلاء الأطفال بعضهم البعض، باستخدام بنادق الكلاشينكوف الروسية.
كما ألقت السلطات في مينائي أنتويرب وروتردام في هولندا القبض على عشرات المراهقين الذين حصلوا على أموال مقابل استخراج كميات من الكوكايين من حاويات الشحن.
في المقابل، كانت ردود الفعل الرسمية متباينة، حيث دعا بعض ساسة أوروبا إلى فرض أحكام أشد قسوة، وميزانيات أمنية أكثر ضخامة، في حين يزعم آخرون أن حظر المخدرات ببساطة غير ناجح وأن الوقت قد حان لإضفاء الشرعية على السوق.
في يناير الماضي، كتب فيمكي هالسيما عمدة أمستردام، في مقال رأي نشرته صحيفة "الجارديان البريطانية"، محذرًا من أن هولندا قد تتحول إلى "بلد للمخدرات".
وقال إن "تنظيم السوق، أو الاحتكارات الحكومية، أو توفير الأغراض الطبية، ليست سوى بعض من البدائل الممكنة، وليست بالضرورة ولاية حصرية".
مع هذا، اتخذت بلجيكا، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، مسارًا أكثر تقليدية، مع التركيز على تشديد الأمن في الموانئ وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص من خلال تحالف الموانئ الأوروبية المنشأ حديثًا.
وفي المقابل، اقترحت بعض دول أمريكا اللاتينية، ومن بينها كولومبيا والإكوادور، أن ينظر الزعماء الأوروبيون بشكل أقرب إلى وطنهم.