الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

لماذا تستهدف التنظيمات الإرهابية الأماكن الدينية في بوركينا فاسو؟

  • مشاركة :
post-title
هجمات دامية على مسجد وكنيسة فى بوركينا فاسو

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

فى الـ25 من فبراير 2024، وقع هجومان في بوركينا فاسو، أحدهما كان شرقًا على مسجد أثناء أداة صلاة الفجر في ناتيابواني، أسفر عنه مقتل العشرات من المسلمين. أما الآخر فكان شمالًا، بهجوم مميت على كاثوليك يحضرون قداسًا، أسفر عنه مقتل 15 مصليًا.

ووفقًا للمراقبين، فإنه من المحتمل أن تكون الجماعات الإرهابية الموجودة في الغرب الإفريقي ارتكبت هذه الجريمة، استنادا على ارتكاب هذه الجماعات لهجمات شبيهة تكررت على الأماكن الدينية منذ عام 2015. وتعد بوركينا فاسو المسرح الرئيسي للعمليات الإرهابية فى منطقة الساحل غرب إفريقيا، حيث تركز التنظيمات الإرهابية هجماتها الدامية على الأجزاء الشمالية والشرقية من هذه الدولة.

خريطة استهداف التنظيمات الإرهابية لرجال الدين والمبشرين فى غرب إفريقيا
خريطة استهداف التنظيمات الإرهابية لرجال الدين والمبشرين فى غرب إفريقيا

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة على سؤال: لماذا تستهدف التنظيمات الإرهابية الأماكن الدينية فى بوركينا فاسو؟

أسباب واردة

إن عودة استهداف التنظيمات الإرهابية للأماكن الدينية فى بوركينا فاسو، يمكن تفسيره من عدة أسباب واردة، تتمثل أبرزها فى:

(*) الاضطرابات السياسية: تعاني بوركينا فاسو عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن تحديدًا منذ عام 2022 الذي شهد اضطرابات سياسية مرتين على التوالي فى 24 يناير 2022، و30 سبتمبر 2022، حيث تمت الإطاحة بحكومتي "روش كابورى" و"هنرى داميبا" على الترتيب، وهذا وفقًا للمراقبين أعطى الفرصة للتنظيمات الإرهابية لاستغلال الأوضاع غير الآمنة، لتحقيق مقاصدها، خاصة أن المجلس الحاكم يواجه صعوبة فى القضاء على الإرهاب. فما يقرب من نصف بوركينا فاسو يقع خارج سيطرة المجلس الحاكم؛ نتيجة عمليات التدمير والهجمات التي يشنها الإرهابيون فى هذا البلد. وعلى الرغم من محاولات المجلس الحاكم لمكافحة الإرهاب والعنف المتطرف واستعادة السلام منذ عام 2022، إلا أنها باءت بالفشل.

(*) تقويض العلاقات السلمية بين المسلمين والمسيحيين: تستغل التنظيمات الإرهابية التعددية الدينية فى غرب إفريقيا؛ من أجل بث حالة من العداء بين الديانات، تحديدًا الإسلامية والمسيحية. وعليه، تسعى التنظيمات إلى إثارة الفتن والشكوك حول العناصر المسؤولة عن تلك الهجمات على المساجد والكنائس، حتى يعتقد معتنقو المسيحية أن المسلمين هم المسؤولون والعكس صحيح، ومن ثمَّ إثارة التوترات بين معتنقي الديانات فى هذه المنطقة. ومن المُلاحَظ أن التنظيمات الإرهابية تستهدف الكنائس بشكل أكبر، ويرفض الكثير من السكان التعبير عن إيمانهم علنًا؛ بسبب التهديدات الإرهابية.

Source: Todd M. Johnson and Gina A. Zurlo, World Christian Database

(*) تعزيز التجنيد بين المجتمعات الهشة: مع إيمان التنظيمات الإرهابية بأن العقيدة التي يتبعها المدنيون فى بوركينا فاسو خاطئة، يسعى هؤلاء الإرهابيون إلى استهداف رجال الدين والكهنة الذين يؤثرون على أفكار المدنيين، بالإضافة إلى استهداف أي مدنى متشدد سواء فى الديانة الإسلامية أو المسيحية باتباع أساليب الترهيب والاختطاف؛ من أجل انصياع المدنيين لمعتقداتهم التي تحميهم من أعمالهم الإرهابية، وسعت تلك التنظيمات إلى محاولة استقطاب أكبر عدد من الناس خاصًة الشباب؛ لتجنيدهم والاندماج فى صفوفهم، عن طريق إغرائهم بالمال نتيجة عدم توافر فرص عمل.

Source: WORLD WATCH LIST 2024 Report

(*) سهولة اختراق حدود البلاد: إن تفاقُم الوضع الأمني فى هذه الدولة وضعف إحكام الأجهزة المحلية لقبضتها على الحدود الشاسعة، مكّن التنظيمات الإرهابية من اختراق الحدود الأمنية للبلاد مع مالي والنيجر، ومن ثمَّ قدرة التنظيمات الإرهابية من تهريب الأسلحة والمعدات التي تمكنهم من تنفيذ العمليات الإرهابية المخطط لها ضد الكهنة ورجال الدين باستهداف الكنائس والمساجد المختلفة. وعززت الهشاشة الأمنية، التي تصيب أنظمة الأمن البوركينابى، من استغلال الجماعات الإرهابية لعجز الجيش عن حماية الحدود، فالموقع الجغرافي لبوركينا فاسو الواقع بين إقليمي الساحل وغرب إفريقيا، يعطى الفرصة للجماعات الإرهابية للانتشار والتغلغل فى كافة أرجاء البلاد، خاصًة أن دولتي الجوار لبوركينا فاسو (مالي والنيجر) تعانيان أيضًا من ضعف أمنى واستهداف للأماكن الدينية بهما.

تداعيات محتملة

إن استهداف التنظيمات الإرهابية للأماكن الدينية فى بوركينا فاسو له تداعيات محتملة، تتمثل فى:

(&) تعزيز البروتوكولات الأمنية: على الرغم من التراجع الواضح بقدرة السلطات الأمنية في مكافحة الإرهاب ببوركينا فاسو، إلا أنه من المحتمل أن يؤدى الهجوم الشرس الذي ألقى بحتف الكثير من المصلين المدنيين إلى إعادة تقييم الإجراءات الأمنية فى بوركينا فاسو، بالتركيز على المؤسسات الدينية بإصدار البروتوكولات الأمنية التي تضمن حماية المصلين، ومن ثمَّ منع شن الهجمات الدامية على دور العبادة مستقبلًا.

(&) تَلَقِى الدعم الدولي والإقليمي: إن انسحاب بوركينا فاسو، كإحدى دول التحالف الثلاثي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، لا يعنى عزلة بوركينا فاسو إقليميًا، بل مع تصاعد الهجمات الإرهابية، من المرجح أن تسعى بوركينا فاسو للحصول على الدعم والتعاون من الشركاء الإقليميين والدوليين؛ لمكافحة الإرهاب ومعالجة أسباب التطرف المتصاعد جذريًا. وحسب تصريح لرئيس بوركينا فاسو المدعوم من روسيا، من المحتمل أن تنتشر القوات الروسية لمحاربة التنظيمات الإرهابية التي تستهدف الأماكن الدينية فى غرب إفريقيا إذا تفاقمت الأوضاع الأمنية.

(&) الضغط على المجلس الحاكم: مع الفتنة التي تحاول التنظيمات الإرهابية حدوثها بين المسلمين والمسيحيين، ومع تصاعد الهجمات الإرهابية على دور العبادة، من المرجح أن تحدث ضغوط داخلية لتفعيل دور الأجهزة الأمنية؛ نظرًا لعدم قدراتها على استتباب الأمن ومنع تلك الهجمات التي تمنح الفرصة للتنظيمات الإرهابية للتمدد، وربما تثير هذه الهجمات المزيد من ردود الفعل العنيفة ضد سكان الفولاني في بوركينا فاسو.

(&) ارتفاع نسبة النازحين إلى دول الجوار: مع استئناف الهجمات وسقوط العديد من الضحايا المدنيين فى بوركينا فاسو، من المرجح تزايد عدد الأشخاص النازحين داخليًا بسبب اتساع الظاهرة الإرهابية في هذه المنطقة. وأفادت الأمم المتحدة أن مستويات غير مسبوقة من العنف المسلح في المناطق الحدودية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، قد دفعت بالفعل أكثر من مليوني شخص إلى ترك منازلهم والتوجه إلى مخيمات النزوح.

ختامًا، يمكن القول إن الهجومَين على كلٍ من الكنيسة والمسجد هما الأحدث في سلسلة من الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية سواء القاعدة أو داعش في منطقة الساحل غرب إفريقيا منذ أن امتد التمرد إلى حدود بوركينا فاسو في عام 2015، فالهجومان بمثابة تذكير قاتم بالمشهد الأمني ​​المعقد في المنطقة والتهديدات التي تشكلها الجماعات المتطرفة، إضافة إلى أن الهجمات الحالية تعد بمثابة نمط أوسع من العنف الذي اجتاح بوركينا فاسو. لذلك، لن تتوفر بيئة خصبة خالية من الإرهاب بدون تدَخُل المجلس الحاكم واتخاذ قرارات صارمة مع تعزيز العلاقات الدولية والإقليمية؛ من أجل صد الهجمات الإرهابية الدامية على الأماكن الدينية فى بوركينا فاسو.