وسط أزمة إنسانية متفاقمة في غزة، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 7 أكتوبر الماضي، تتنامى المخاوف من أزمة صحية تهدد بنشر الأمراض بين النازحين المكدسين في المخيمات جنوبي القطاع، وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ونقلت الصحيفة تصريحات لمدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس، وصف فيها الأوضاع في غزة بأنها "جحيم"، محذرًا من أن المزيد من الأشخاص في غزة سيموتون من "الجوع والمرض".
ولفتت الصحيفة، في تقريرها، إلى أن النازحين المكدسين في المخيمات المنتشرة في جنوب قطاع غزة، يخوضون صراعًا من نوع آخر في مواجهة الجوع والبرد وأزمة الصرف الصحي، وهم يسكنون في العراء.
وقالت الصحيفة إن الفلسطينيين النازحين منذ الأيام الأولى للهجوم الإسرائيلي على غزة، يعانون من "الافتقار إلى المراحيض الكافية، والمياه النظيفة"، ناهيك عن تدفق مياه الصرف الصحي بين الخيام.
ونقلت الصحيفة عن العديد من سكان غزة، الذين يواجهون الجوع والعطش نتيجة للحصار الذي يفرضه جيش الاحتلال على القطاع منذ أربعة أشهر، أنهم يحاولون أيضًا تجنب أكل الطعام أو الشرب، وذلك لتجنب الزيارة غير الصحية إلى دورات المياه.
وعرض التقرير قصة النازحة الفلسطينية سلوى المصري (75 عامًا) والتي نزحت إلى مدينة رفح الفلسطينية، والتي تحتاج إلى الذهاب مسافة ليست بقريبة من أجل استخدام "مرحاض قذر يتشارك فيه آلاف الأشخاص".
ويتكدس في رفح الفلسطينية نحو 1.4 مليون فلسطيني، أي أكثر من نصف سكان غزة، وسط ظروف إنسانية ومعيشية بائسة وخطر كبير لانتشار الأمراض، بحسب الأمم المتحدة.
وقالت "المصري" إنها توقفت عن شرب المياه، وستبقى عطشى حتى لا تضطر للذهاب إلى دورة المياه، مشيرة إلى أنها وأقارب لها استطاعوا بناء دورة مياه، وحفروا حفرة خلف الخيمة حيث تتجمع مياه الصرف الصحي، حيث يتشاركون فيه مع عدد أقل من الأشخاص، ولكن لا يوجد لديهم مياه للاغتسال، فيما تملأ رائحة المكان مياه الصرف الصحي التي تهدد صحتهم.
وأدى العدوان على غزة إلى نزوح مئات آلاف الفلسطينيين، ودفع نحو 2.2 مليون شخص، هم الغالبية العظمى من سكان القطاع، إلى حافة المجاعة، وكتبت وكالة "الأونروا" على منصة "إكس"، أمس السبت، "لم يعد بإمكاننا أن نغض الطرف عن هذه المأساة الإنسانية".
وحذرت السلطات الصحية في غزة من أن تكدس النازحين في البرد "زاد من انتشار الأمراض التنفسية والجلدية وأمراض معدية أخرى، من بينها التهاب الكبد الوبائي".
وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية التي قالت، في يناير الماضي، إن "التهاب الكبد الوبائي أ" ينتشر في غزة، ناهيك عن انتشار "اليرقان" الناجم عن الالتهابات، وارتفاع حالات الإسهال لدى الأطفال، وكل ذلك يرتبط بسوء الصرف الصحي، وفقًا لـ"اليونيسف".
وكان مدير منظمة الصحة العالمية حذر من تزايد خطر انتشار الأمراض المعدية في قطاع غزة منذ ديسمبر الماضي، خاصة مع استمرار النزوح والظروف الإنسانية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي.
وكتب "جيبريسوس"، عبر منصة إكس حينها: "مع استمرار نزوح الناس بشكل هائل على امتداد جنوب غزة، واضطرار بعض العائلات للنزوح أكثر من مرة، واتخاذ الكثيرين من منشآت صحية مكتظة ملجأ لهم، نبقى أنا وزملائي في منظمة الصحة العالمية قلقين جدًا حيال تزايد خطر الأمراض المعدية".
وأضاف: "من أكتوبر إلى منتصف ديسمبر، تواصلت إصابة الأشخاص الذين يعيشون في ملاجئ بأمراض".
ولفت جيبريسوس، إلى أن نحو 180 ألف شخص عانوا من التهابات في الجهاز التنفسي العلوي، بينما تم تسجيل 136400 حالة إسهال نصفها من الأطفال دون سن الخامسة. وأكد وجود 55400 حالة إصابة بالقمل والجرب، و5330 إصابة بجدري الماء، و42700 إصابة بالطفح الجلدي، بينها 4722 حالة من القوباء.
ويقدر علماء الأوبئة أن هذه الظروف يمكن أن تتسبب في وفاة ما يزيد على 85 ألف فلسطيني خلال الأشهر الستة المقبلة، بسبب الإصابات والأمراض ونقص الرعاية الطبية، وهي وفيات لم تكن متوقعة لولا الحرب، وفقًا لتقرير "نيويورك تايمز".
ونقلت الصحيفة عن أبراساك كامارا، مدير اليونيسف لبرنامج المياه والصرف الصحي في فلسطين، إن ما يحدث مصدر قلق للصحة العامة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر ينتزع كرامة الناس.
وحذرت السلطات الصحية في غزة، مؤخرًا، من "نقص في الأدوية والمستهلكات الطبية وعجز في أصناف الرعاية الأولية بما يزيد على 60% من القائمة الأساسية لأدوية الرعاية الأولية". وأشارت السلطات إلى وجود 350 ألف شخص مصاب بأمراض مزمنة بلا دواء، محذرة من "مضاعفات صحية خطيرة للمرضى".
ويعرقل جيش الاحتلال وصول المساعدات إلى المدنيين في غزة، وندد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قبل يومين، بـ"الحصار المفروض على غزة" من جانب إسرائيل، وقال إن الاحتلال يستخدم المجاعة سلاحًا في الحرب، وهو ما يشكل "جريمة حرب".
وأدى العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، إلى استشهاد 29606 فلسطينيين على الأقل، غالبيتهم العظمى من المدنيين النساء والقصر، وفقا لآخر تقرير صادر عن السلطات الصحية في غزة.