أجرى فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، زيارة إلى سيليكون فالي؛ لتوجيه رسالة بسيطة إلى شركات التكنولوجيا: إن "منتجاتكم يمكن أن تلحق أضرارًا حقيقية، ومن واجبكم التأكد من عدم حدوث ذلك".
وفي حوار مع موقع "أكسيوس" الأمريكي، أكد "تورك" أن التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي تحمل إمكانات هائلة لمعالجة مجموعة من الأمور الاجتماعية، ولكن من دون جهد ونية حقيقية بناءة، يمكن لهذه التقنيات أن تعمل كأسلحة قوية للقمع، مشددًا على أن الشركات يجب أن تضمن أن منتجاتها تتوافق مع المبادئ التوجيهية الدولية للأمم المتحدة المتعلقة بالأعمال وحقوق الإنسان.
وأوضح "تورك" أن هذا الواجب يأتي استجابة للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة التي تمت الموافقة عليها بالإجماع في عام 2011، والتي تنص على أنه "من واجب المؤسسات التجارية أن تحترم حقوق الإنسان أينما كانت تعمل، ومهما كان حجمها أو صناعتها"، مشيرًا إلى أن هذه المسؤولية تعني أن الشركات يجب أن تعرف تأثيراتها الفعلية أو المحتملة وأن تحول دون حدوث الانتهاكات وتقليلها.
ورغم ذلك، أكد المسؤول الأممي أن المبادئ التوجيهية ليست ملزمة قانونيًا، وما زالت عملية تحويلها إلى قانون دولي قابل للتنفيذ تحتاج إلى وقت طويل.
التحديات والتهديدات
أثناء لقاء تورك بشركات مثل "أوبن إي آي وميتا وجوجل" أكد أن تقصير وادي السيليكون في التنوع والآفاق العالمية يعوق الصناعة، مشيرًا إلى أن ما يبدو إيجابيًا لمجموعة صغيرة من الناس في سان فرانسيسكو قد يكون مختلفًا تمامًا في أنحاء أخرى من العالم.
وأعرب عن قلقه إزاء استخدام التكنولوجيا لتشويه الحقائق وتحريض الخوف بين الناس، محذرًا من أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدم لتحميل المجموعات المهمشة بالفعل، بما في ذلك المهاجرين والأقليات، بما يؤدي إلى خلق مزيج سام من الخوف والكراهية.
وشبه تورك اللحظة الحالية للذكاء الاصطناعي بنوع مختلف من التطور العلمي تصوره الكاتب الألماني البارز يوهان جوته في رائعته "فاوست".
وأشار المسؤول الأممي إلى أن في ذلك العمل الكلاسيكي، كان من المفترض أن يمثل هومونكولوس، وهو كائن اصطناعي في قارورة قُصِدَ منه من قبل خالقه تمثيل أفضل ما توصل إليه عصر التنوير من معرفة، إلا إنه انتهى بدلًا من ذلك بان اشتمل على كامل السمات البشرية، بما في ذلك عيوبها.
ويقول تورك عن أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم: "هذا هو موقعنا حاليًا، إنها ليست منفصلة عنما نحن عليه، أسوأ مخاوفنا ورغباتنا وأفضل تطلعاتنا".
أزمة الانتخابات
ذكر "تورك"، في تصريحات صحفية، أن فترة الانتخابات الحالية تُعد الأكثر حرجًا، إذ من المتوقع أن يشارك فيها 4 مليارات ناخب حول العالم. وتكمن المشكلة في استغلال البيانات الضخمة المتاحة عن الأفراد، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي للتلاعب بعقولهم وإثارة مخاوفهم وأحقادهم.
وحذر تورك من أن القدرات الفائقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي ستمكّن من انتشار المعلومات الزائفة والدعاية السياسية المضللة بمعدلات غير مسبوقة، الأمر الذي يهدد نزاهة وشفافية العملية الانتخابية.
ودعا جميع الأطراف إلى اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة لمواجهة هذه التحديات الجديدة، حتى لا تنقلب تقنيات الذكاء الاصطناعي من مصدر خير إلى سلاح للتلاعب والتحريض وغسل الأدمغة.
الأغلبية الصامتة
وشدد المسؤول الأممي على أنه بينما يتفاعل العالم مع تحديات التكنولوجيا وتأثيرها على حقوق الإنسان، يبرز الدور المحوري لما يُعرف بـ "الأغلبية الصامتة"، موضحًا أن هؤلاء الأفراد، الذين يبدو أنهم يختلفون عن النخبة الناطقة والمؤثرة، يمثلون قوة هائلة في المجتمع.
وقال ترك عن هذه الطبقة: "إنهم الذين يتمتعون بالوعي بأهمية حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، ويؤمنون بضرورة الدفاع عنها بكل قوة، ومع ذلك، فإن الصمت الذي يحيط بهم قد يعكس قيودًا عديدة، بما في ذلك الخوف من التحدث، أو الشعور بعجزهم عن التأثير، أو حتى القيود الثقافية والاجتماعية التي تحول دون تعبيرهم عن آرائهم بوضوح".
أكد المسؤول الأممي أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الأغلبية الصامتة إلى قوة فعّالة ومؤثرة، تستطيع تحدي الظروف الراهنة والدفاع عن حقوق الإنسان في وجه التحديات الناشئة عن التكنولوجيا الحديثة.
دور الشركات
تابع تورك حديثه قائلًا: "إن ما يصنعه الإنسان من تقنيات قادرة على تحفيز أسوأ ما في البشرية. ولمعالجة تلك القدرة، يلزم توعية الشركات وحثّها على المساهمة الإيجابية".
وأوضح تورك أن التكنولوجيا في حد ذاتها محايدة، لكن يمكن أن يُساء استخدامها لأغراض شريرة: "علينا جميعًا العمل معًا لضمان بناء آلات ذكية تعزز حقوق الإنسان وتحترم كرامة الأفراد" دون تمييز.
وذكّر أن على الشركات واجبات أخلاقية ومسؤولية اجتماعية تجاه المستعملين والمجتمع ككل: "منتجاتكم الذكية قادرة على صنع التغيير، فعليكم التأكد من كونه إيجابيًا".