الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مؤتمر ميونيخ للأمن 2024 وتحديات الاستقرار العالمي

  • مشاركة :
post-title
مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2024 - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

عقد مؤتمر ميونيخ للأمن دورته الـ60 في الفترة من 16 - 18 فبراير 2042، بمشاركة عدد من السياسيين كرؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، وقادة أمنيين فضلًا عن خبراء رفيعي المستوى معنيين بالقضايا الأمنية من جميع أنحاء العالم لمناقشة القضايا المؤثرة، التي تتعلق بالأمن والاستقرار العالمي والتهديدات المتنامية، في ظل تنامي التحديات التي فرضت واقعها على أجندة عمل المؤتمر، يأتي في مقدمتها قضايا الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب على غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التهديدات الأمنية للتغيرات المناخية، تداعيات الهجرة على الاستقرار العالمي، الرؤى الجديدة للنظام العالمي، تهديدات الأمن الأوروبي، الأمن الغذائي، سياسات الطاقة، الذكاء الاصطناعي، مستقبل حلف شمال الأطلسطي، ومستقبل السياسة الأمريكية بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2024 ومساراتها المحتملة حال فوز دونالد ترامب.

أهمية انعقاد المؤتمر

يأتي انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن 2024 في الذكرى الستين لتأسيسه، إذ عُقدت أول دورة له في عام 1963، وهو الأمر الذي يعطي فرصة لمراجعة السياسات الأمنية التي تبناها المؤتمر في دوراته السابقة، ومدى قدرتها على تحقيق الاستقرار العالمي، وما إذا كانت تلك السياسات تحتاج إلى إعادة النظر في محتواها، في ظل حالة من عدم الاستقرار تواجه أقاليم العالم المختلفة بعد إخفاق التوجهات التنموية العالمية في تلبية احتياجات المجتمعات المختلفة، وهو الأمر الذي كشفته الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة الركود الاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد العالمي، بما عكس إخفاق العولمة وعدم قدرتها على عملية تشبيك المجتمعات وتحقيق الاعتماد المتبادل بينها، وهو ما أدى إلى حالة من التنافس والصراع الدولي لا من التعاون بين القوى الكبرى حول شكل النظام الدولي القادم وقيمه، وتراتبية تلك القوى في هيكل التوازن الدولي الجديد، لذلك فإن دورية انعقاد المؤتمر تكتسب أهميتها من الوظائف التي يمكن أن يشكلها كجسر للتواصل بين رؤى القادة والممارسين لتحقيق الأمن والاستقرار العالميين، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في التالي:

(*) منصة للتواصل بين القادة: يشكل المؤتمر منصة للتواصل ما بين القادة الرسميين من صناع القرار، والخبراء المعنيين بالقضايا الأمنية، وهو ما يُسهم في التعارف بين الرسميين وغير الرسميين على هامش اجتماعات المؤتمر، بما يتيح التعرف على الخطوط الرئيسية للتوجهات العامة للدول، لا سيما وأن المؤتمر يحرص على حضوره عدد معتبر من قادة الدول أو ممثليهم، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية وممثلي منظمات المجتمع المدني، إذ شهدت الدورة الحالية لمؤتمر ميونيخ للأمن 2024 حضور نحو 50 من قادة العالم منهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالإضافة إلى أكثر من 100 وزير من دول مختلفة يمثلون أقاليم العالم بتنوعها وتعددها.

(*) تبادل الأفكار لحل النزاعات: تمثل الدورة الحالية لمؤتمر ميونيخ للأمن الدورة الـ60 منذ بدأه الكاتب الألماني كلايست عام 1963، عندما عقد اجتماعات مع مجموعة من المثقفين والمحللين السياسيين المؤثرين مثل هنري كيسنجر، للمناقشة وتبادل وجهات النظر، والتعرف على الآراء المختلفة للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، بحضور شخصيات بارزة ومنظرين ألمان رفيعي المستوى في السياسة الدولية. وعقدت تلك الاجتماعات سنويًا على مدى عقود، ومنذ انتهاء الحرب الباردة بانهيار الكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي، ازداد عدد المشاركين في فعاليات المؤتمر، كما تنوعت القضايا التي ناقشها المؤتمر في دوراته المتتالية، إذ أصبح أحد المنتديات الدولية، التي تتيح تبادل الرؤى والأفكار لطرح التوجهات الأمنية والتهديدات التي تواجهها واستراتيجيات التعامل مع مسبباتها، وبدى المؤتمر كمبادرة ألمانية جادة للبحث عن سبل الحوار والتفاعل المتبادل لحل المشكلات والنزاعات المتفجرة.

تحديات متعددة

تنوعت التحديات التي ناقشها مؤتمر ميونيخ للأمن 2024 في دورته الـ60، التي يمكن الإشارة إلى أهمها في العناصر التالية:

(*) الرؤى الجديدة للنظام العالمي: ترتبط التحولات الجديدة في النظام الدولي بسعي القوى الكبرى وفي مقدمتها الصين وروسيا للتحول من النظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب، في المقابل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على مكانتها في النظام الدولي والحيلولة دون منافستها على قمته، لذلك تسعى لإبقاء الخطوط مفتوحة مع الصين باعتبارها المنافس الحقيقي للهيمنة الأمريكية، إذ أضحت العلاقة بينهما إدارة للتنافس بين القوتين، وصفت في العديد من التحليلات بـ"التنافس التعاوني" لذلك جاء إجراء أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، لحوار مع نظيره الصيني وانج يي، على هامش فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن، 17 فبراير 2024، أشار إليه المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، إلى أن المناقشات كانت صريحة وبناءة تناولت مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية في إطار جهودهما للحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة وإدارة المنافسة بينهما بشكل مسؤول.

(*) الحرب الروسية في أوكرانيا: تصدرت الحرب الروسية الأوكرانية جدول أعمال مؤتمر ميونخ للأمن 2024، نظرًا لما لها من تداعيات دولية معقدة، لذلك تناوب زعماء الدول الغربية على منبر مؤتمر ميونيخ للأمن لتأكيد استمرار دعمهم العسكري لأوكرانيا في حريها ضد روسيا، وبدا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال كلمته أمام المؤتمر غير مقتنع بهذا الدعم، وحث قادة الدول الغربية على سد ما وصفه بوضوح النقص المصطنع في الأسلحة، الذي يعزز موقف روسيا في ساحة المعركة. وتماشيًا مع الدعم الغربي لأوكرانيا التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان، 18 فبراير 2024، على هامش المؤتمر من أجل مناقشة الجهود الدبلوماسية، وكذلك جهود الردع التي يبذلها حلفاء الناتو وشركاء الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع، إذ أكدا مجددًا دعمهما لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، فضلًا عن استعداد الحلفاء والشركاء لفرض عقوبات على روسيا في حال استمرار عدوانها على أوكرانيا. كما أوضح وزير الخارجية الصيني وانج ويي، خلال اجتماعه مع وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، 18 فبراير 2024، على هامش المؤتمر بأن الصين ستواصل أداء دور بناء لإنهاء الحرب واستعادة السلام في أقرب وقت ممكن، وحتى لو لم يكن هناك سوى بصيص أمل في السلام، فإن الصين لن تتخلى عن جهودها.

(*) الحرب الإسرائيلية على غزة: خيمت الحرب الإسرائيلية على غزة على جانب من مناقشات المؤتمر، إذ ركز عدد من القادة والمسؤولين السياسييين خلال مداخلاتهم على سبل الوصول إلى إنهاء الحرب المستمرة، والدفع نحو إنجاح المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، والضمانات الأمنية لإسرائيل والطريق نحو إقامة دولة فلسطينية، وسبل إصلاح السلطة الفلسطينية، وترأست إيطاليا الاجتماع الأول لوزراء خارجية دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى 17 فبراير 2024، لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها على الشرق الأوسط والوضع في البحر الأحمر، حيث يكثف الحوثيون من هجماتهم ضد السفن التجارية ويدفعون بذلك العديد من السفن إلى تجنب هذا الممر الحيوي للتجارة الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن استهدافهم لتلك السفن دفع الولايات المتحدة لتشكيل تحالف حارس الازدهار لحماية التجارة الدولية في البحر الأحمر، ويربط الحوثيون بين توقف الحرب على غزة ووقف هجماتهم، وبرغم الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها على غزة، إلا إن واشنطن تعتقد بأن حل الدولتين الذي يتوافق عليه المجتمع الدولي ربما يمثل حلًا للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لذلك سلط أنتوني بلينكن خلال مشاركته في فعاليات المؤتمر الضوء على ضرورة المضي قدمًا في إقامة دولة فلسطينية تضمن كذلك أمن إسرائيل، واتخاذ خطوات جدية لحل الأزمات، خلال الأشهر القليلة المقبلة، ولفت بلينكن إلى أن هناك جهودًا حقيقية تقودها الدول العربية لإصلاح السلطة الفلسطينية.

(*) الأمن الأوروبي: يشكل الأمن الأوروبي أحد القضايا المحورية على أجندة مؤتمر ميونيخ للأمن، لا سيما وأن التصريحات التي أدلى بها ترامب بأنه لن يدافع عن حلفاء الناتو الذين فشلوا في إنفاق ما يكفي على الدفاع حال فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في نوفمبر 2024، جعلت الكثير من الأوروبيين يشعرون بالقلق إزاء مستقبل الأمن الأوروبي في ظل محورية الدور الأمريكي لضمان استقراره. وهو الأمر الذي عبر عنه المستشار الألماني أولاف شولتس، 17 فبراير 2024، خلال فعاليات المؤتمر بالقول: "يجب علينا نحن الأوربيون أن تهتم بأمننا بشكل أكبر، الآن وفي المستقبل"، مضيفًا أن ألمانيا تعد أكبر اقتصاد في أوروبا، رفعت إنفاقها على الدفاع إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وستواصل تحقيق هذا الهدف الذي حدده حلف شمال الأطلسطي، ومشيرًا إلى أن ألمانيا تناقش مع حليفتيها فرنسا وبريطانيا تطوير أسلحة دقيقة قادرة على الوصول إلى مسافات بعيدة من أجل ضمان أن تظل استراتيجيتها للردع متطورة. فيما أشارت كاميلا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، على هامش مشاركتها في المؤتمر 16 فبراير 2024، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتراجع أبدًا عن التزامها في الناتو التي تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية، وأن الالتزام ببناء التحالفات والحفاظ عليها ساعد أمريكا على أن تصبح أقوى دولة في العالم وأكثر ازدهارًا، معتبرة أن تعريض كل ذلك للخطر سيكون من الحماقة، ومضيفة أن عدد دول الناتو التي حققت هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي تضاعف منذ أن أصبح بايدن رئيسًا في عام 2021.

مجمل القول تشكل مناقشات مؤتمر ميونيخ للأمن 2024 باعتباره أحد المنتديات العالمية المعنية بتبادل الرؤى والأفكار بشأن السياسات الأمنية، واستراتيجيات مواجهة التهديدات المتنامية التي أضحت عابرة للحدود، وتحتاج لتكاتف المجتمع الدولي لتعزيز الاستقرار والتنمية، غير أن التحدي الأبرز الذي يواجه تلك المناقشات يرتبط بتبني الرؤى الغربية فقط باعتبارها المداخل الرئيسية لتحقيق الاستقرار، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر في المقاربات الغربية لأزمات الشرق الأوسط وفي مقدمتها الموقف الغربي من الحرب الإسرائيلية على غزة، التي كشفت بجلاء عن سقوط المنظومة الأخلاقية الغربية وزيف الادعاءات الغربية التي تتبنى حماية حقوق الإنسان، ومبادئ القانون الدولي الإنساني، وحق الشعوب في تقرير مصيرها بعد أن تعاملت بسياسة مزدوجة المعايير إزاء الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على غزة، وهي السياسة التي تعمق من حالة عدم الاستقرار العالمي.