تحل اليوم السبت ذكرى ميلاد النجمة ليلى مراد، التي وُلدت يوم 17 فبراير عام 1918، وأصبحت إحدى أبرز نجمات الفن العربي، إذ ما زالت أغنياتها تطرب الآذان وتبعث أفلامها على البهجة.
تزامنت فترة طفولة ومراهقة النجمة ليلى مراد مع نهضة فنية جديدة تشهدها مصر، إذ كان المجتمع وقتها متحمسًا إلى أن يكتسب كل شيء الطابع المصري، مع خطوات التحرر الأولى من الاحتلال الإنجليزي وصدور دستور 1923، ثم المعاهدة المصرية الإنجليزية 1934، ذلك التحرر السياسي كان له بالطبع تأثيره في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتطور الحركة الفنية، وتعد ليلى مراد أحد الأبناء المخلصين لتلك النهضة.
كما رافقت فترة شباب ليلى مراد ظهور السينما الروائية، وتطورها من الصامتة إلى الناطقة، واستيعاب الحركة الفنية في ذلك الوقت -خصوصًا السينما- لوجوه جديدة، وترحيب مجال الغناء بأصوات شابة، وزيادة عدد دور السينما، والترحيب بالوجود النسائي في مجال الفن.
كل ذلك ساعد ليلى مراد بفضل موهبتها الشديدة إلى معرفة طريقها إلى السينما، لكن في البداية ظهر صوتها فقط كمغنية في فيلم "الضحايا" عام 1932، قبل أن يرى فيها الموسيقار محمد عبد الوهاب وجهًا سينمائيًا جميلًا ومناسبًا للشاشة الكبيرة، إضافة إلى تميز صوتها لتشاركه بطولة فيلم "يحيا الحب" عام 1938، مجسدة دور نادية التي تقع في حب شاب يسكن أمام قصر والدها طاهر باشا.
اللافت للنظر أن ليلى مراد تعد أشهر من جسدت دور ابنة الباشا في السينما المصرية، إذ ظهرت بهذه الشخصية في عدة أعمال أبرزها فيلم "غزل البنات" عام 1949 مع زوجها الفنان أنور وجدي، وقدمت في هذا العمل العديد من المشاهد الخالدة مع النجم نجيب الريحاني، ويعد العمل آخر فيلم له في السينما، إذ توفي قبل أن يستكمل مشاهده الأخيرة واضطُرت أسرة العمل إلى تعديل النهاية، كما أنها قدمت في العمل نفسه أحد أبرز أغنياتها "مليش أمل"، وتعاونت فيها مع الملحن محمد عبد الوهاب –ظهر في الفيلم بشخصيته أيضًا- ومن كلمات حسين السيد.
ويحسب للنجمة ليلى مراد أنها تعد أول نجمة شباك في تاريخ السينما المصرية قادرة على جذب الجمهور إلى قاعات العرض دون النظر إلى الأسماء المرافقة لها في العمل سواء في التمثيل أو الإخراج، حسبما قال الناقد الفني أشرف غريب في كتابه "الوثائق الخاصة لـ ليلى مراد"، إذ كان يذهب محبوها لمشاهدة أفلامها والاستمتاع بصوتها الساحر بأغنياتها التي كانت تقدمها في الأفلام.
تأثير ليلى مراد ونجاحها الفني جعل من اسمها عناوين للأفلام السينمائية المختلفة، فبعد 3 أعوام فقط من صدور فيلمها "يحيا الحب"، وجد صناع السينما في اسمها عامل جذب لقاعات العرض، ليصدر أول فيلم يحمل اسمها "ليلى بنت الريف" عام 1941 مع يوسف وهبي وإخراج وتأليف توجو مزراحي، وتبعته بـ5 أفلام أخرى يزين اسمها ملصقه الدعائي وهي "ليلى بنت مدارس"، "ليلى"، "ليلى في الظلام"، "ليلى بنت الفقراء"، ليلى بنت الأغنياء" الصادر عام 1946.
ومثلما كان زوجها أنور وجدي مغرمًا باسم "وحيد" ليكون اسم شخصيته بالعديد من الأعمال السينمائية، اتبعت ليلى مراد تقليدًا لم تحد عند سوى في القليل من الأعمال، إذ كان اسم شخصيتها في معظم أعمالها "ليلى" أيضًا، ومنها أفلام "قلبي دليلي"، و"ضربة القدر"، و"خاتم سليمان"، و"شادية الوادي"، و"حبيب الروح"، و"بنت الأكابر".
ولا يمكن النظر إلى مسيرة ليلى مراد الفنية، دون ذكر المؤثرين في مشوارها، ففضلًا عن دور محمد عبد الوهاب الذي قدمها لجمهور السينما للمرة الأولى، يظهر بشكل واضح دور شقيقها منير مراد، التي قالت عنه -في لقاء تليفزيوني قديم- إنه أثر بشكل كبير في تجاربها الغنائية، وتعتز بالعديد من الأعمال التي قدمتها معه، ومنها "يا طبيب القلب"، كما غنّت أيضًا من ألحانه "أنا زي ما أنا"، و"بالاتحاد والنظام والعمل"، و"راح الهوى"، و"يا رايح على صحرا سينا".
ويبقى لوالدها المغني والملحن زكي مراد الدور الأساسي في تعلقها بالموسيقى والغناء، خصوصًا أنه كان صديقًا للموسيقار سيد درويش الذي كانت تراه في طفولتها مع والدها، يتناقشان في أمور فنية، ويتعاونان في أعمال منها أوبريت "العشرة الطيبة"، وكان والدها يحرص على أن يأخذها معه في جولاته بالمحافظات المختلفة والقرى لإحياء الأفراح والحفلات، لتغني أمام الجمهور وهي ما زالت ابنة 12 عامًا فقط، وساعدها ذلك على اكتساب ثقة وجرأة فنية كبيرة، ولم تخش ميكرفون الإذاعة في اختبارات القبول التي اجتازتها من المرة الأولى وأصبحت مطربة بالإذاعة المصرية.
أطلق النقاد على ليلى مراد لقب "السندريلا"، لتكون أول من تحصل عليه قبل أن يذهب بعد ذلك طواعية إلى النجمة سعاد حسني، التي ظهرت في بداية الستينيات وعقب توقف قيثارة الغناء عن التمثيل عام 1955، إذ صدر في هذا العام فيلمها الأخير "الحبيب المجهول".