في مدينة تريم التاريخية الشهيرة وعاصمة حضرموت القديمة في اليمن، وُلد المطرب أبو بكر سالم عام 1939، ليصبح واحدًا من أبرز أعلامها الفنية، وليس في اليمن فقط بل المملكة العربية السعودية والوطن العربي، إذ حصل على الجنسية السعودية، بل إنه اُطلق اسمه على أحد أكبر المسارح بالمملكة تكريًما لذكراه، ويتضمن شعاره صورة للفنان الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 2017.
لم يكمل الطفل الصغير أبو بكر سالم عامه الأول قبل أن يفقد والده، لكن والدته انتبهت إلى أن ابنها الصغير ليس طفلًا عاديًا، وأن عشق الفن عرف الطريق إلى قلبه، لترقبه في صمت، وهو يكتب أولى قصائده في عمر الـ17 عامًا بعنوان "يا ورد محلا جمالك"، ثم يزيد انتباهها عندما تسمعه يدندن في غرفته بأغانٍ صوفية وتراثية، إذ تشتهر تريم بانتشار هذا اللون الإنشادي بها.
لست شاعرًا
تعلَّق قلب الفتى اليمني الصغير بالشعر في مقتبل حياته، وصار محتفظًا بذلك الحب حتى بعد شهرته التي حققها في الوطن العربي، لإيمانه بأن الموهبة تأتي من الشعور، والأخير تعبر عنه الكلمات، لكنه بالرغم من ذلك لم يصنّف نفسه شاعرًا، وحول ذلك قال في لقاء تليفزيوني: "لا أصنف نفسي شاعرًا فقط أعبر عن بعض ما يدور في خاطري، وأضيف إليها التلحين والأداء الصوتي".
عشق أبو بكر سالم الشعر في البداية وأفادته القراءات الكثيرة في أنواع الشعر المختلفة، حتى أصبح جزءًا من كيانه، فهو من مدرسة أن الكلمة أساس الأغنية، لذا نراه في مشواره الفني يعتمد على كثير من قصائده، وبجوارها قصائد لأسماء محدودة من الشعراء، أكثرهم الشاعر حسين المحضار رفيق الدرب الذي تعاون معه في عدد من الأغاني، ومنها "يقول إنني" و"يا سهران" و"مجروح منك"، بسبب أنهما تشاركا الهموم الواحدة حسبما يقول، كما تعاون مع الكويتي فائق عبد الجليل في أغنيات منها "غزاني الشيب" و"انتي وين".
يُرجع الفنان اليمني سبب عدم تعاونه مع شعراء كثيرين إلى أنه دائمًا ما كان يبحث عن معانٍ جديدة وموضوعات لم يتطرق لها من قبل في أغانيه، إذ رفض كثيرًا من القصائد والأشعار لأنها متشابهة وسبق أن قدَّمها، وربما يفسر ذلك سبب قلة إنتاجه الفني وعدم طرح ألبومات كثيرة، وكان يضم الألبوم الواحد 5 أو 6 أغنيات فقط.
أما على مستوى التلحين، فتمتع أبو بكر سالم بموهبة إضافية ليصبح فنانًا من طراز خاص يجمع بين موهبة التأليف والغناء والتلحين، وسبق أن تعاون مع ملحنين آخرين في أغانيه، ومنهم عبد الرب إدريس السعودي من أصول يمنية في أغنية "عطني يا حبيبي الحل"، والكويتي يوسف المهنا الذي جمعته به صداقة كبيرة، وقت أن جاء إلى الكويت وعملا معًا في أغانٍ منها "يالاجواد مجروح كلمات".
أبو بكر سالم والتراث اليمني
اهتم أبو بكر سالم كثيرًا بنشر التراث اليمني في العالم العربي، مثلما كان يفعل محمد مرشد ناجي أحد أعلام الأغنية اليمنية وأول مَن قدَّمه في حفل غنائي، متوقعًا له النجاح الكبير، ودأب على إحياء تراث بلده في الجزيرة العربية، ومن أبرز ما قدَّمه في هذا الإطار رائعته "صنعانيات"، وكان مولعًا بتقديم الغناء الحضرمي، وهو نوع من الغناء يستمد اسمه من مدينة حضرموت تتنوع أشكاله اللحنية.
وأسهم في شهرة أبو بكر سالم على مستوى الوطن العربي، التنقل بين عدد من البلدان، إذ كان في البداية يسافر من عدن إلى الرياض، حتى ذهب إلى بيروت واستقر هناك، لكن كان اليمن حاضرًا في أغانيه، ومنها "كل شيء إلا فراقك يا عدن".
وحقق في لبنان نقلة جديدة في مشواره الفني، واتّسعت مداركه على مدارس أخرى، والتقى عددًا من الفنانين، ثم استقر في السعودية وحصل على جنسيتها، وغنى لها عددًا من الأغاني منها "إلا معك في الرياض".
وتقديرًا لمساهمة الفنان الراحل في إثراء الفن العربي والسعودي، منحت المملكة الجنسية لأبناء الفنان الراحل، ومنهم المطرب أصيل أبو بكر.