صوته الذهبي المتفرد ونبرته القوية الدافئة تأخذك لعالم يملؤه السحر والجمال، محظوظ من يكون بصحبة المنشد الكبير طه الفشني ولو لدقائق، فعلى مدار أكثر من ثلث قرن كان يصدح عبر أثير الإذاعة المصرية بصوته ليملأ الحياة بجمال موهبته التي حباه الله بها.
صُدف غيرت حياته
لعبت الصدفة دورها في حياة طه الفشني، الذي يمر 122 عامًا على مولده، ففي إحدى الليالي الرمضانية التي كان ينشد فيها بالإمام الحسين، سمعه مدير الإذاعة المصرية وقتها، ليعرض عليه أن يقدم تواشيح وابتهالات ويكون مقرئًا بها، وهو ما وجده "الفشني" فرصة سانحة ليُظهر للعالم موهبته المدفونة فالتحق بالإذاعة بعد أن اجتاز جميع اختباراتها وهو في عمر الـ37 عامًا، وتحديدًا عام 1937، ومن وقتها أصبح لاسمه ثقل في العالم العربي والإسلامي بعد أن أثرى مكتبة الإذاعة بعشرات الشرائط حيث تجاوز عدد تسجيلاته حوالي 240 تسجيلاً بخلاف ساعات طويلة من تلاوة القرآن الكريم.
لم تكن هذه الصدفة الوحيدة في حياة عملاق دولة التلاوة طه الفشني، حيث جاء إلى القاهرة من أجل الدراسة بدار العلوم، لكن الظروف وقتها لم تساعده في ذلك، ليلتحق بالأزهر الشريف ويسكن بالقرب من مسجد الحسين وهو ما ساهم في تشكيل موهبته، بسبب اقترابه من حلقات الابتهالات الدينية التي تقام هناك باستمرار.
تواشيح وأغاني
من قلب الصعيد خرجت موهبة طه الفشني، تحديدًا من بلد تحمل اسمه مدينة الفشن، إحدى مناطق محافظة بني سويف -جنوب مصر-، حيث ترك بلدته وجاء إلى القاهرة، لتقوده قدماه لعالم الشهرة والمجد، فذاع صيته بعد أن خطف قلوب مستمعيه، حتى إن عبد الحليم حافظ قال في بداياته "أتمنى أن أحقق شهرة وصيت مثل طه الفشني".
عُرض على طه الفشني في البداية أن يقدم أغانٍ بصوته العذب، وبالفعل سجّل أسطوانتين من نوعية الأغاني العاطفية، لكنه سرعان ما عدّل عن طريقه ليقدم التواشيح الدينية ويرتل القرآن بصوته، وهو ما أضفى رونقًا آخر على عذوبة صوته.
كان من أشهر الابتهالات التي قدمها طه الفشني، "أيها المختار، وحب الحسين، وميلاد طه، وآخذ بالروح مني، وإلهي أنت مولاي، بعثت لتملأ الدنيا سلاما"، وغيرها الكثير، فضلًا على رفع الآذان بصوته فكان المؤذن الأول لمسجد الحسين، بعد تعيينه في الإذاعة المصرية بثلاث سنوات، وعُين أيضًا قارئًا في مسجد السيدة سكينة، عام 1940، الذي ظل يعمل به حتى وفاته في مثل هذا اليوم 10 ديسمبر 1971.
شهرة واسعة
استطاع طه الفشني أن يكتسب شهرة عربية، فاختير رئيسًا لرابطة القراء والمبتهلين خلفًا للشيخ الراحل عبد الفتاح شعيشع، مع مطلع الستينيات بعامين، كما كان يقدم حفلات إنشاد ديني لكبار الشخصيات التي تستمع لصوته المتفرد، كما اعتبره الكثيرون سفيرًا لمصر في زياراته للخارج ليرتل القرآن ويشدو بأجمل الابتهالات الدينية، كما كان من أوائل المرتلين للقرآن على شاشة التليفزيون المصري منذ افتتاحه في الستينيات.