اشتهر الأديب الراحل يحيى حقي بأنه متواضع للغاية، رغم اسمه البارز في محافل الأدب العربي، فهو ضمن قائمة المبدعين الذين لا يملؤون الدنيا ضجيجًا بأصوات عالية منتشين بأعمالهم، حتى إنه وصف ذات مرة كتابة سيرته الذاتية بالملل، كما رفض أن يناديه المحيطون بلقب الدكتور عقب تسلمه الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا، مشيرًا إلى أنه لم يقدم بحثًا أو يستحق هذا اللقب.
وتمر اليوم الذكرى الـ30 لرحيل الأديب يحيى حقي، إذ رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم عام 1992، ويستدعي اسمه تذكر رواية "قنديل أم هاشم" الصادرة عام 1944، فرغم كتاباته المتعددة يُعدُّ واحدًا من الأدباء والفنانين الذين يُزين مشوارهم وإنتاجهم الإبداعي ما يبقى في وجدان المتلقي.
ومن شدة نجاح "قنديل أم هاشم" عُولج فنيًا أكثر من مرة، خصوصًا المسرح، أولها كانت مسرحية إخراج يوسف مرزوق ومحمود السباع، وبطولة تهاني راشد ومحمد توفيق وحسين قنديل وبثينة حسن ورشوان توفيق، فيما كان للعمل السينمائي الذي قدمت من خلاله الرواية النصيب الأكبر من الشهرة، إذ صدر الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه عام 1968، وكتب صبري موسى المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار، ومن إخراج كمال عطية، وبطولة شكري سرحان وسميرة أحمد وعبد الوارث عسر وأمينة رزق وصلاح منصور.
النجاح الجماهيري والنقدي من نصيب رواية "قنديل أم هاشم"، جعل الفيلم يحتل المركز الـ63 في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ويُعدُّ من كلاسيكيات السينما المصرية، ويحلل يحيى حقي هذا النجاح اللافت بأن القصة لاقت في قلوب المتلقين والجمهور سرعة في القبول، لأن الصراع بين الشرق والغرب قضية متفجرة منذ الحملات الصليبية على مصر، والاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت، إذ يرى أن الشعب المصري انقسم بين (أفندية) أو المتعلمين بالخارج و(أزهرية) نسبة إلى التعليم بجامعة الأزهر، مشيرًا إلى أن نتيجة هذا الصدع تدمير الطبقتين، حسبما يؤكد في لقاء تليفزيوني قديم.
في رواية "قنديل أم هاشم" يظن الكثيرون أنها تقف أمام جهل البسطاء فقط، لكنها في الحقيقة، حسبما يؤكد يحيى حقيي يخاطب بها المثقفين العائدين من أوروبا، موجهة نصيحة لهم بعدم التعالي على أهالي منطقتهم من البسطاء، مناديًا الشباب بإعلاء مشاعر الانتماء إلى مصر، وليقف ضد التوغل الثقافي الأجنبي في البلاد.
اختيار اللفظ
حرص يحيى حقي، في كتاباته الأدبية، على الدقة في اختيار اللفظ المناسب للرواية، لأنه صاحب قاموس لفظي غني، فجّر من خلالها قضايا عن الإنسان والمجتمع المصري، مثلما نرى في رواياته "أم العواجز"، "تراب الميري"، و"البوسطجي"، والأخيرة حوّلت إلى فيلم سينمائي عام 1968 للمخرج حسين كمال، وأيضًا كتب السيناريو والحوار له صبري موسى، ويبدو أنه ثمة ثقة موجودة لدى يحيى حقي في أن موسى قادر على أن يصل مفرداته اللغوية وقصته إلى الناس بشكل يحافظ على نسق الرواية الأصلي، واللافت للنظر أن الفيلم من بطولة شكري سرحان وزيزي مصطفى وصلاح منصور وسهير المرشدي، ويأتي الفيلم في المركز الـ30 لأهم 100 فيلم في السينما المصرية، حسب استفتاء نقاد سينمائيين.
يحيى حقي ونصيحة للشباب
روايات يحيي حقي حملت كثيرًا من الرسائل إلى الشباب، من منطلق هم وطني كان يحمله، مؤمنًا بأن الشباب مستقبل الوطن، لذا وجّه لهم عددًا من النصائح منها ما قاله في حوار تليفزيوني عن ضرورة العمل: "ليست العبرة بالتعجل وإنما سر في طريقك وأبذل جهدك ولا شك أنك ستنجح مهما كانت الظروف".