حرب غزة التي تدخل يومها الـ119، بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، تشعبت تأثيراتها خارج حدود القطاع والأراضي المحتلة، لتصنع قرارًا غير مسبوق اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد إسرائيل، حليفة واشنطن المهمة في المنطقة، خوفًا من شبح الهزيمة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
ووقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الخميس، على أمر تنفيذي يسمح للولايات المتحدة بفرض عقوبات على مستوطنين -وربما سياسيين ومسؤولين حكوميين إسرائيليين- متورطين في هجمات عنيفة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بينهم أوتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
مغازلة الناخبين العرب
اللافت في الأمر أن القرار الأمريكي جاء قبل زيارة بايدن إلى ولاية ميتشيجان في وقت لاحق، التي تعد موطنًا لأكبر عدد من السكان العرب الأمريكيين، كما أن الناخبين الأمريكيين العرب الغاضبين من سياسة بايدن بشأن الحرب في غزة قد يعرضون محاولة إعادة انتخابه في العديد من الولايات المتأرجحة الرئيسية للخطر، وفق صحيفة "أكسيوس" الأمريكية.
"بايدن" يواجه في ولاية ميتشيجان احتجاجات على دعمه للتحركات الإسرائيلية في غزة، التي ألقت بظلالها على رحلته في تلك الولاية المهمة، ووفق "رويترز" فكان المقصود من سفر بايدن إلى الولاية التي تمثل ساحة معركة انتخابية أن يكون بمثابة احتفال بعد أن أيّدت نقابة عمال السيارات محاولة إعادة انتخابه، لكن زيارته قوبلت باحتجاجات من الجالية العربية الأمريكية الكبيرة في الولاية، الذين يطالبونه بالسعي إلى وقف إطلاق النار في غزة.
لم يتضمن برنامج رحلة بايدن إلى ولاية ميتشيجان مدينة "ديربورن"، التي يشكل فيها العرب الأمريكيون أغلبية السكان، كما لم يتضمن أي اجتماعات مع القادة الأمريكيين العرب، ولم ترافقه النائبة الديمقراطية من الولاية "رشيدة طليب" وهي واحدة من أكثر المنتقدين صراحة للحرب في غزة، والتي تمثل شخصية مهمة لـ"بايدن" خلال رحلته، وفق صحيفة "ذا هيل" الأمريكية.
وتجمع مواطنون أمريكيون، الأربعاء، في "ديربورن" للاحتجاج على زيارة بايدن، وتجمع المتظاهرون بالقرب من قاعة النقابة في وارن ولوحوا بالأعلام الفلسطينية وحملوا لافتات كتب عليها "التخلي عن بايدن"، بحسب ما ذكرت صحيفة "ديترويت فري برس".
"بايدن" محبط
وقالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، للصحفيين: "أريد أن أقول، على نطاق أوسع، إن الرئيس التقى بأمريكيين لديهم آراء مختلفة حول الصراع بين إسرائيل وحماس، والمسؤولون في البيت الأبيض على اتصال منتظم أيضًا مع القادة الأمريكيين المسلمين والعرب في ميتشيجان وفي جميع أنحاء البلاد".
وتعاني حملة "بايدن" من إحباط الأمريكيين العرب وغيرهم من الناخبين الذين غضبوا من إزدواجية تعامله مع الحرب بين إسرائيل وحماس، قالت "جان بيير" إن كبار مسؤولي إدارة بايدن سيسافرون إلى ميتشيجان في الأيام المقبلة للاستماع مباشرة من النشطاء وقادة المجتمع المدني في الولاية حول مجموعة من القضايا التي تهمهم ولعائلاتهم، بما في ذلك العدوان الإسرائيلي على غزة، وفق صحيفة "ذا هيل".
ويتبع المتظاهرون بايدن أينما سافر، ويعطلون أحداثًا لم تكن فيها الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإدانة طريقة تعامله مع الوضع في غزة ضمن جدول الأعمال، فمثلًا قاطع متظاهرون خطاب بايدن في فيرجينيا الذي ركز على الإجهاض الشهر الماضي، وقاطعت مجموعة خطابه في كنيسة للسود في كارولينا الجنوبية، وصرخ آخرون عليه خلال حدث تأييد نقابة العاملين في صناعة السيارات في واشنطن العاصمة.
وفاز بايدن بنسبة 64% من أصوات المسلمين في عام 2020، وحصل ترامب على 35%، بحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها وكالة "أسوشيتد برس"، لكن دعم بايدن بين الناخبين الأمريكيين العرب انخفض إلى 17% فقط في أكتوبر، بعد بدء الحرب مباشرة، وقال 25% في استطلاع أجراه المعهد العربي الأمريكي إنهم غير متأكدين لمن سيصوتون إذا أجريت الانتخابات في ذلك الوقت.
وتعد ميتشيجان ولاية متأرجحة حاسمة، وحصل بايدن عليها في عام 2020 بأغلبية 154 ألف صوت ضد ترامب، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة خارج الولاية أظهرت أنه يتخلف عن ترامب بفارق ضئيل، وأظهر استطلاع أجرته "بلومبرج" يوم الأربعاء أن ترامب يتقدم هناك بخمس نقاط مئوية.
خلاف بين أمريكا وإسرائيل
وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن اتساع هوة الخلاف بين أمريكا وإسرائيل بسبب رفض رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لكل الطلبات التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى حل، لدرجة وصلت إلى عدم تواصل بايدن معه لمدة 20 يومًا، وفق موقع "واللا" العبري.
أحد كبار المسؤولين الأمريكين وصف الوضع الحالي بين بايدن ونتنياهو بأنه "وضع فظيع، فصبر الرئيس بدأ ينفد"، وأنه وغيره من كبار المسؤولين في إدارته يتزايد الإحباط لديهم من سلوك نتنياهو، بعد رفضه لجميع الطلبات الأمريكية تقريبًا في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بالحرب في غزة والوضع في الضفة الغربية.
مظاهرات حاشدة
ويشارك مئات الآلاف من الناخبين في المظاهرات المناهضة للحرب في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووصل متظاهرون غاضبون إلى محيط البيت الأبيض لدرجة تم معها "نقل" الموظفين أي إجلاؤهم من المجمع.
الابتعاد عن نتنياهو
صحيفة "يديعوت أحرونوت" تحدثت في تقرير لها، عن محاولات "بايدن" الذي يمر بعام انتخابي للحصول على إنجاز دبلوماسي لإنهاء الحرب، لكن "نتنياهو" يرفض مناقشة الأمر، حتى تدخل مقربون من الرئيس الأمريكي لتوجيه نصيحة إليه بـ"الابتعاد عن نتنياهو".
سلوك نتنياهو أصبح يثير إحباطًا كبيرًا في البيت الأبيض، بسبب إطالة أمد الحرب، ما أدى إلى توجيه مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي نصيحة له بالتعبير عن عدم ثقته الشخصية في نتنياهو لأنه "يؤجل الحرب" لأسباب شخصية ويتجنب مناقشة مسألة اليوم التالي، وفق "يديعوت أحرونوت".
ووفق الصحيفة، فإن مسؤولين مقربين من بايدن، أوصوه بأن يعلن فقدان الثقة في نتنياهو ووضعها لشعب إسرائيل ودولة إسرائيل، وأن يخرج علانية للحديث ضد نتنياهو في وقت مبكر من الشهر المقبل.
شبكة "إن بي سي" أفادت بأن إدارة بايدن تعمل على محور "تجاوز نتنياهو" من أجل تنفيذ خطة لليوم التالي، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تلقى التزامًا من قادة عرب بالمساعدة في إعادة بناء غزة بعد الحرب، الذين اتفقوا على دعم حكومة فلسطينية جديدة في قطاع غزة.
وقال ثلاثة مسؤولين أمريكيين كبار لشبكة "إن بي سي" إن إدارة بايدن تتطلع إلى "اليوم التالي لنتنياهو" لمحاولة تحقيق أهدافها في الشرق الأوسط، وأن نتنياهو لن يبقى هناك إلى الأبد".
وجاء في تقرير لـ"إن بي سي" أن بلينكن توجه إلى نتنياهو وأخبره أنه لا يوجد حل عسكري للقضاء على حماس، وأنه يجب عليه أن يدرك أنه بدون اتفاق سياسي، فإن التاريخ سيعيد نفسه، لكن نتنياهو "لم يتأثر" بالكلمات، وخرج بعدها في مؤتمر صحفي وقال: "أولئك الذين يتحدثون عن إقامة دولة فلسطينية، وأقول للأمريكيين يجب أن نكون قادرين على قول "لا" لأفضل أصدقائنا أيضًا. قل "لا" عند الضرورة وقول "نعم" عندما يكون ذلك ممكنًا".