تسبب حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن الأسلحة النووية بحالة من القلق لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد عدة تهديدات صدرت عن مسؤولين روس في الأشهر الماضية، لمّح بوتين أمس الأربعاء، إلى أن خطر اندلاع حرب نووية يتصاعد، مؤكدًا في الوقت ذاته أن موسكو لم "يصبها الجنون"، وأنها تعتبر ترسانتها النووية رادعًا دفاعيا ليس إلا.
التهديد بحرب نووية يتزايد:
وقال بوتين خلال اجتماع متلفز مع المجلس الروسي للمجتمع المدني وحقوق الإنسان، "نعتبر أسلحة الدمار الشامل، السلاح النووي، بمثابة وسيلة دفاع. (اللجوء إليها) يستند إلى ما نسميه "الرد انتقامًا": إذا تعرضنا لضربة، نضرب ردًا على ذلك".
ولكنه كشف أن "التهديد بحرب نووية يتزايد"، نظرا للمواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا، محملا الأمريكيين والأوروبيين مسؤولية ذلك.
قلق أمريكي بعد تصريحات بوتين:
وعلى الفور اتهمت الولايات المتحدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "بعدم المسئولية" بعد تصريحاته عن مخاطر اللجوء إلى الأسلحة النووية في النزاع في أوكرانيا.
ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس الرد مباشرة على بوتين، لكنه قال إن "أي استخفاف في الحديث عن الأسلحة النووية غير مسؤول على الإطلاق.
الحرب النووية لا يجب خوضها أبدًا:
وأضاف برايس أن القوى النووية في أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا نفسها، كانت واضحة منذ الحرب الباردة في أن "الحرب النووية لا يجب خوضها أبدًا ولا يمكن كسبها أبدًا".
وتابع "نعتقد أن أي خطاب آخر سواء كان تهديدًا نوويًا أو حتى إثارة شبح استخدام أسلحة نووية تكتيكية أمر غير مسؤول، وأمر خطير ويتعارض مع روح ذلك البيان الذي كان في صميم نظام منع الانتشار النووي منذ الحرب الباردة".
العقيدة النووية الروسية.. هل تحكم قرار بوتين؟
تعود المخاوف من اندلاع حرب نووية محتملة إلى السطح من جديد، بعدما توعّدت القوى النووية العالمية، وصرّحت بالتصعيد واستخدام السلاح النووي بعد ترحيب بوتين بانضمام مناطق لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا.
حذًر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حينها، من وصفهم بأنهم يحاولون ابتزاز بلاده بالأسلحة النووية من أن "الرياح قد تهب باتجاههم"، منوها إلى امتلاك روسيا أسلحة دمار أكثر تطورًا مما لدى دول الناتو.
وفيما أثارت تهديدات الرئيس الروسي، والذي تمتلك بلاده نحو 6000 رأس نووي، قلّق الملايين من الأشخاص حول العالم، إلا أنه ثمّة اتفاق بين خبراء في الشأن الروسي على التزام روسيا بالعقيدة النووية الخاصة بها والمُعلنة منذ عام 2020، فيما رجّح مُحللون للصراع أنه في حال إطلاق سلاح نووي ضمن إطار الأزمة الجارية لن تكون روسيا هي البادئ.
فما هي العقيدة النووية الروسية ومتى تُمّكن بوتين من ضغط الزر النووي؟
العقيدة النووية الروسية هي وثيقة تخطيط استراتيجي، تتضمن مجموعة من السياسات العسكرية والتقنية والدبلوماسية والاقتصادية للدفاع عن الاتحاد الروسي، تعكس آراءه الرسمية، حول جوهر ومبادئ الردع النووي، وتحدد الأخطار والتهديدات العسكرية، وكذلك ضوابط انتقال روسيا إلى استخدام السلاح النووي.
25 بندًا كشف عنها موقع الكرملين من خلال نشره مرسوم إقرار رئيس الاتحاد الروسي رقم 355 حول أساسيات سياسة الدولة في مجال الردع النووي الموقّع والمعمول به من تاريخ 2 يونيو 2020، تمثّلت في أحكام وضوابط عامة، وجوهر الردع النووي والظروف الانتقالية المُحدِدة لاستخدام الأسلحة النووية ومهام ووظائف هيئات الاتحاد المعنية بتنفيذ سياسة الدولة في مجال الردع النووي.
الطبيعة دفاعية وردع العدوان مكفول بالنووي
"دفاعية بطبيعتها" تلك أولى مُحدِدات الأحكام العامة للعقيدة النووية الروسية، إذ تهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى يكفي ضمان الردع النووي، بما يحقق حماية سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية، ومواجهة أي عدوان محتمل على الاتحاد الروسي أو حلفائه.
وفي حالة نشوب نزاع عسكري تتمثل أحكام العقيدة الروسية في منع تصعيد الأعمال العدائية وإنهائها بشروط مقبولة لدى الاتحاد وحلفائه.
ويعد رد العدوان مكفولا من قبل القوة العسكرية الكاملة للاتحاد الروسي، بما في ذلك الأسلحة النووية وفق النقطة الثانية من الأحكام العامة للعقيدة الروسية، التي تعتبر ردع عدوان خصم محتمل ضد الاتحاد الروسي أو حلفائه أحد أعلى أولويات الدولة.
جوهر الردع النووي الروسي
يهدف الردع النووي في العقيدة الروسية إلى ضمان أن يتفهم الخصم المحتمل للاتحاد الروسي "حتمية الانتقام" في حالة الاعتداء على روسيا أو حلفائها.
والردع النووي مُفّعل وجار العمل به باستمرار وفق العقيدة الروسية في وقت السلم، وفي أوقات التهديد الوشيك بالعدوان وفي زمن الحرب، وحتى بدء استخدام الأسلحة النووية.
متى يمثل تحرك عسكري تهديدا بالعدوان في العقيدة الروسية ؟
حدّدّت العقيدة النووية الروسية ضمن إطار جوهر الردع النووي 6 نقاط تمثل بالنسبة للاتحاد الروسي مخاطر عسكرية قد تتطور لتهديدات بالعدوان تمثلت في التالي :
حشد خصم محتمل في الأراضي المتاخمة للاتحاد الروسي وحلفائه وفي المناطق البحرية المجاورة لتجمعات من القوات ذات الأغراض العامة.
نشر الدول التي تعتبر الاتحاد الروسي خصمًا محتملاً لأنظمة ووسائل الدفاع المضادة للصواريخ ، والأسلحة عالية الدقة غير النووية والتي تفوق سرعة الصوت، والطائرات بدون طيار.
إنشاء أنظمة دفاع وضربات مضادة للصواريخ ووضعها في الفضاء.
امتلاك الدول أسلحة نووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل التي يمكن استخدامها ضد الاتحاد الروسي أو حلفائه.
الانتشار غير المنضبط للأسلحة النووية، وامتلاك دول التكنولوجيات والمعدات اللازمة لتصنيعها.
نشر الأسلحة النووية ووسائل إيصالها إلى أراضي الدول غير النووية.
مبادئ الردع في العقيدة النووية
تمتثل العقيدة النووية الروسية في إطار مبادئ الردع إلى الالتزامات الدولية في مجال تحديد الأسلحة، كما تمثل ضمن مبادئها القدرة على التكيف مع التهديدات وضمان تحقيق عدم يقين الخصوم من زمان ومكان الاستخدام المحتمل لقوات ووسائل الردع النووي.
وتأتي مركزية إدارة الدولة لأنشطة الهيئات التنفيذية الفيدرالية والمنظمات المشاركة ضمن مبادئ عقيدة الردع النووي الروسي، والحفاظ على وسائل الردع عند مستوى كافٍ للحد الأدنى للوفاء بالمهام الموكلة إليها، والحفاظ على الاستعداد الدائم لجزء مخصص من قوات ووسائل الردع النووي للاستخدام القتالي، وأخيرًا أن تشمل قوات الردع التابعة للاتحاد الروسي القوات النووية البرية والبحرية والجوية.
كيف يتخذ الرئيس الروسي القرار ومتى يضغط الزر النووي؟
ينفرد رئيس الاتحاد الروسي- فلاديمير بوتين في الوقت الحالي- بقرار استخدام الأسلحة النووية، وهو غير مُلزّم وفقًا للعقيدة النووية بإبلاغ القيادة العسكرية السياسية للدول الأخرى أو المنظمات الدولية باستعداده لاستخدام الأسلحة النووية أو بالقرار المتخذ بشأنها، وحقيقة استخدامها من عدمه.
وتكفل العقيدة النووية للاتحاد الروسي الحق في استخدام الأسلحة النووية ردًا على استخدام الأسلحة النووية، وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل ضده أو ضد حلفائه، وكذلك في حالة حدوث عدوان ضد روسيا باستخدام الأسلحة التقليدية، بما يُهدد في حد ذاته وجود الدولة.
البند التاسع عشر من العقيدة النووية الروسية يحدد أربعة شروط تُمّكن موسكو من اتخاذ قرار استخدام السلاح النووي نُفندها على النحو التالي:
تلقّي موسكو معلومات موثوقة حول إطلاق صواريخ باليستية على أراضي الاتحاد الروسي أو حلفائه.
استخدام الخصم للأسلحة النووية أو أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل في أراضي الاتحاد الروسي أو حلفائه.
تأثير العدو على الدولة أو المنشآت العسكرية للاتحاد الروسي، والتي سيؤدي فشلها إلى تعطيل استجابة القوات النووية للدولة.
الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددًا.
من خلال رصد بنود العقيدة النووية الروسية والتي توضح الفارق بين ما تعتبره روسيا تهديدًا عدوانيًا محتملًا، وما تمثله تحركات الدول من شروط واضحة جليّة تُلزم الاتحاد الروسي وفق عقيدته باستخدام السلاح النووي للدفاع عن البلاد.. فهل حاد بوتين عن عقيدته أم لا تزال الأخيرة دستورا واضحا يُفسر تصرفاته؟