106 أيام على الحرب في قطاع غزة المحاصر، تروي كل ساعة فيها تفاصيل كارثية يعيشها الفلسطينيون، بعضها يطفو فوق السطح، والآخر لا يزال لا يعرفه إلا من مر به، أحد تلك المآسي ما سلطت عليها الضوء صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية حول قصص مخاض النساء الحوامل تحت القصف.
تروي باسكال كويسار، منسقة الطوارئ بمنظمة أطباء بلا حدود في القطاع الفلسطيني، محنة كارثية للنساء الحوامل، بين المستشفيات المكتظة، ونقص المعدات والنظافة، مشيرة إلى أنه بالإضافة إلى الإرهاق الناتج عن الولادة، يتعين على هؤلاء النساء أن يتعاملن مع الضغط المستمر الناتج عن التفجيرات والتهجير والظروف المعيشية الكارثية، مع عدم اليقين بشأن ما يخبئه الغد.
مخاض تحت القصف
أضافت "كويسار": "منتصف الشتاء والأيام الباردة التي بعضها ممطر، تم تهجير هؤلاء النساء، إنهن يعشن في خيام بلاستيكية نصبنها مع عائلاتهن قدر استطاعتهم، حيثما استطاعوا، في مدينة تتزايد كثافتها كل يوم بسبب التدفق المستمر للاجئين الفارين من الغارات الجوية والقتال في جميع أنحاء غزة".
ووصفت "كويسار" وضع النساء الحوامل في غزة بـ"الكارثي"، قائلة: "ظروف الولادة للنساء في غزة مرعبة حاليًا، معظم المستشفيات غير صالحة للعمل، لم يتبق سوى عدد قليل، خاصة في الجنوب، لكنها مثقلة للغاية، ولذلك فإن العديد من النساء يلدن في مكان آخر غير المستشفى، والتقيت بعض اللاتي ولدن في خيامهن، والبعض الآخر ولدن في المراحيض في مواقع النازحين المنتشرة في أنحاء رفح".
ثلاث قصص
من داخل مستشفى الإماراتي للولادة في رفح جنوب قطاع غزة، تروي منسقة الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود قصص ثلاث عن هؤلاء النساء، أولها كانت مع "مها" (اسم مستعار) من شمال غزة، قائلة: "ذهبت إلى المستشفى عندما شعرت ببدء المخاض، لكن لم يكن من الممكن علاجها، وكانت جميع غرف الولادة ممتلئة، فقد خضعت لعملية قيصرية من قبل، لكن مع عدم وجود خيار آخر، عادت إلى خيمتها مع آلام المخاض فمات ابنها الذي ولدته في المراحيض العامة الأقرب إلى خيمتها".
عندما دخلت "مها" إلى منشآتنا، كانت تجلس على سريرها، بعد أن تلقت رعاية ما بعد الولادة، فقد كانت بحاجة للتعبير عن ألمها العميق لنا جميعًا؛ كانت بحاجة إلى الصراخ إلينا بشأن الظلم الذي تعرضت له، فلولا هذه الحرب لما فقدت ابنها"، وفق "كويسار".
قصة أخرى بطلتها "نور" (اسم مستعار)، وقالت عنها "كويسار": "كانت فتاة صغيرة، جميلة جدًا، بعد الولادة، كانت سعيدة ولكنها متعبة، نصف نائمة، وشاحبة قليلاً، وأجرى لها زملائي اختبار الهيموجلوبين، فكانت بحاجة إلى تناول بعض مكملات الحديد وفيتامين سي، وكانت حماتها رافقتها وأخبرتني أن عائلتها من جباليا شمال قطاع غزة، لقد تحول منزلها وشارعها الآن إلى أنقاض، سألت ما هو اسم طفلتها وجدتها لم تقرر بعد اسمها، لكن حماتها تود أن يكون اسمها سلام، وهو معنى يحتاجون إليه الآن أكثر من أي وقت مضى".
القصة الثالثة مع "ريهام" (اسم مستعار)، التي أنجبت طفلة، وكلاهما بخير، تقول منسقة الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود في القطاع الفلسطيني: "تريد أن تريني وجه المولودة الجديدة وتقول لي بابتسامة أن اسمها أمل، لأن الأمل هو ما يشجع الفلسطينيين -رغم الأهوال التي عاشوها طوال الأيام الماضية- على النهوض كل يوم صباح، وهذه الطفلة آخر شيء تريد ريهام خسارته".
13 مستشفى فقط تعمل
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 13 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة لا تزال تعمل بشكل جزئي، وفي مواجهة النظام الصحي الذي هزّه القصف الإسرائيلي، فإن التحدي الطبي هائل، وخاصة في ما يتعلق برعاية النساء الحوامل.
ويوجد نحو 50 ألف طفل في القطاع الفلسطيني، من بينهم أكثر من 180 طفلاً يولدون يوميًا ما يعني ولادة نحو 20 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب، بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، وفق موقع "ريليف ويب" أحد أكبر بوابة المعلومات الإنسانية الشهيرة.