"انتُهك العقد بين الدولة ومواطنيها".. بهذه العبارة نشر موقع "كالكاليست" العبري تقريرًا حول اعتزام عدد من المواطنين الإسرائيليين مغادرة دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر الماضي التي لا تزال الحرب دائرة ومستعرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، بين قوات الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية.
وذكر الموقع العبري أن الخطاب حول الهجرة اكتسب شرعية لم تكن موجودة من قبل لدى الإسرائيليين، الذين اختاروا المغادرة، وأن عددًا متزايدًا من الإسرائيليين أصبحوا يفضلون هذه البداية الصعبة والخيار الوحيد بعد أحداث 7 أكتوبر، فأصبح من السهل الذهاب ومغادرة المنزل والأسرة والمجتمع واللغة الأم والوضع المهني، والبدء من جديد في محيط من عدم اليقين.
مواجهة الصدمة
تحدث الموقع العبري خلال الأسبوع الماضي مع نحو 20 رجلًا وامرأة إسرائيليين من مختلف الأعمار، ومن أماكن مختلفة في دولة الاحتلال، ومن مختلف مجالات العمل، يساريين ويمينيين، مشيرة إلى أنهم قرروا جميعًا مواجهة الصدمة، والشعور بتخلي الدولة عنهم، والخوف الذي استقر في قلوبهم، أن يحاولوا بناء منزلهم في بلد آخر.
"كالكاليست" كشف مدى الحسرة التي انطوت على المتحدثين الذين شملهم التحقيق الصحفي، والذين أكدوا أنهم اختاروا طوعًا استبدال حالة عدم اليقين المتأصلة في الحرب المستمرة في تلك الأرض بعدم اليقين الذي ينطوي عليه التأقلم مع بلد جديد، بل إن بعضهم كان في الخارج يوم 7 أكتوبر في إجازة أو لأغراض العمل، وبقوا هناك في بلدهم الثاني حتى زوال الصراع الذي لم ينته بعد.
تأشيرة لاجئين
وغادر آخرون دولة الاحتلال الإسرائيلي لفترة محدودة، على أمل تهيأة الظروف للعودة أو الهجرة، ومنهم من أصدر تأشيرة لاجئ إلى البرتغال وانتقل إلى هناك، وبينهم أشخاص تم إجلاؤهم من المستوطنات الجنوبية والشمالية، الذين ليس لديهم منزل يعودون إليه، وبعضهم لم يواجه إنذارًا واحدًا في الجولات الأخيرة، ومع ذلك لم يعد بإمكانه تحمل النطاق واسع المدى من الحرب، وفق الصحيفة.
عدد كبير من الذين يغادرون قاموا بتحليل الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في إسرائيل بعقلانية وتوصلوا إلى استنتاج مفاده أنه يجب عليهم نقل أطفالهم بعيدًا عن دولة إسرائيل من أجل منحهم مستقبل أفضل، وإنهم لا يريدون أن يكون الإهمال التالي على ضميرهم، حيث يقولون إن أجدادهم وجداتهم ناضلوا من أجل تأسيس هذا البلد، لكنهم الآن بقلب مكسور يُمنحون نعمة الطريق نحو مستقبل مختلف، حسب الصحيفة.
الأجداد يغادرون
وحسب "كالكاليست"، فالبعض الآخر من الأجداد اليهود الذين شاركوا في تأسيس الدولة العبرية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذين خاضوا سبع معارك، ينقلون قواعدهم الدائمة إلى اليونان أو قبرص ليبحثون عن القليل من الهدوء، وفق الصحيفة، التي أكدت أنه لم يتعجل أي منها للإدلاء بتصريحات مبالغ فيها حول الهجرة، لكنهم يقولون فقط إنهم لا ينوون العودة في الوقت الحالي إلى إسرائيل.
وتوسع الحديث العام عن الهجرة من إسرائيل في ظل قلق الكثير من المواطنين من الانقسام الداخلي ووجه النظام الذي يسعون إلى إقامته في إسرائيل، ولكن في السابع من أكتوبر خضع الحمض النووي الإسرائيلي لاضطراب هائل، وأصبح مدى هذا الاضطراب واضحًا، ومنذ ذلك الحين، انتشر الحديث عن المغادرة في كل مكان في مجموعات الفيسبوك، وفي المحادثات العائلية، وفي العمل، وفي التجمعات الاجتماعية، وفق الصحيفة.
هناك 5 أشخاص تمت مقابلتهم تحدثوا عن مجموعة واسعة من المواطنين الذين اختاروا الهجرة، الذين لا يمكنهم وصف قرارهم بكلمات كبيرة، فقط بكلمات صغيرة ودقيقة، لكن هذه الكلمات الصغيرة تكشف ألمًا كبيرًا وصعوبة وخوفًا، وإحساسًا بالإلحاح، وإصرارًا قويًا على إكمال هذه الخطوة، ولا يشجعون أحدًا على اتباعهم، وهم أنفسهم ما زالوا يتلمسون طريقهم عبر الصدع الكبير، حسب ما نشرت الصحيفة.
عميكام بار غيل: اهرب بسرعة
الدكتور عميكام بار غيل، 46 عامًا، عالم أحياء بحرية من كريات شمونة، قرر مغادرة إسرائيل إلى البرتغال الشهر المقبل، ويقول: "زوجتي ترى منازل حزب الله من نافذة مكتبها، ولديها جملة منتظمة في كل مرة تدخل فيها "اليوم سيكون جيدًا" كان من الممكن أن تمر بالذي مر به الآخرون إنه أمر مؤلم، فلدينا دولة واحدة فقط، لكنني أعترف بأنني لست قويًا بما فيه الكفاية".
"احتمال الهجرة لم يأت أبدًا تقريبًا، أنا صهيوني بكل الطرق، الحلم الصهيوني يمكن أن ينكسر في لحظة، فتلقيت الصفعة الأولى على خدي بعد أن قال لي العديد من أصدقائي في وحدات النخبة في الشمال وفي غرف الطوارئ: "اهرب بأسرع ما يمكن، لا يمكنك تخيل ما يحدث نحن غير مستعدين" لا أستطيع العودة إلى منزلي، ليس لدي عمل أعود إليه، يجب أن أبدأ من جديد، فأين سأفعل ذلك في بلد باهظ الثمن تريد الدول المحيطة تدميره".
شالو: ماذا نفعل إذا انهار جيشنا؟
"أوشري شالو"، 38 عامًا، مهندس كيميائي من باري، ذهب إلى دنفر في الولايات المتحدة، يقول "الوضع في إسرائيل ازداد سوءًا، لم تكن لدينا أي طلبات للتفكير فيما يجب القيام به وكيف، فكرنا في البداية في هولندا، لكننا كنا خائفين من مظاهر معاداة السامية، قررنا استنفاد هذا الخيار، وحتى لو لم نفعل ذلك لا نبقى هنا".
أكمل: "فبمن يمكننا أن نثق في حمايتنا إن لم يكن جيشنا، وإذا انهار جيش الدفاع الإسرائيلي دون قتال في الساعات الأولى، أقول ماذا بعد؟ بمن يمكنني الوثوق به؟ ومن يضمن لي أن الوضع لن يتكرر مرة أخرى؟ والآن لسنا مستعدين لسماع العودة إلى الواقع حتى قبل 7 أكتوبر، لأنه من الواضح للجميع أنه لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو".
شوارتز: إسرائيل على برميل متفجرات
أوري شوارتز، 36 عامًا، إسرائيلي غادر إلى البرتغال يقول: "منذ عدة سنوات وأنا أشعر بأن دولة إسرائيل على برميل من المتفجرات، وأنه سيأتي اليوم الذي سيشتعل فيه الفتيل وينفجر كل شيء، حاولت أن أحدد لنفسي الخط الأحمر لما يجب أن يحدث حتى عندما أقول خلاص سأرحل، وكل مرة أحاول تحديده، كنت أعرف بالفعل أن الخط الأحمر قد تم تجاوزه منذ وقت طويل، وفي 7 أكتوبر، جاء الشعور بأنه قد اشتعل الفتيل، لكن لا أعرف كم سيستغرق من الوقت قبل أن ينفجر، لكنني لا أريد أن أكون قريبًا عندما يحدث ذلك" .
داش: أماني الشخصي انهار
آدم داش، 38 عامًا، مصور فوتوغرافي من كريات طبعون، انتقل إلى كاتالونيا في إسبانيا مع شريكته كاتالينا وابنتهما ماي البالغة من العمر خمس سنوات، يقول: "لا يوجد شيء يبقيني هنا، إسرائيل ستبقى دائما وطني، حتى لو لم أعش هناك، واليوم أنا أيضًا أكثر ارتباطًا بالإسرائيلية، وفي 7 أكتوبر تمكنا من الهروب من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فلم يعد بإمكاني حماية نفسي أو زوجتي، شعرت مثل أي شخص آخر أن روحي كانت تختنق من الداخل بسبب ما حدث، وأن أماني الشخصي قد انهار، ولا أريد أن أقول كلمات كبيرة مثل "لقد غادرنا إلى الأبد"، لكنني لا أرى حاليًا وضعًا يجعلني أعود للعيش في إسرائيل".
هاريل: الناس شجعونا على المغادرة
ميشال هاريل، 44 عامًا، موزعة منتجات غادرت إلى البرتغال مع شريكها إيال، تقول: "فور أن بدأ كل شيء، شعرت في أعماقي بالحاجة إلى الخروج من مكان الخوف، أدركت أنني لم أعد آمنًا حيث كنت، وأن أي شيء يمكن أن يحدث في أي لحظة، وكنت خائفًا على نفسي، فكان لدي شعور داخلي بأنني بحاجة إلى المغادرة في أسرع وقت ممكن، وفي النهاية قررنا اختيار البرتغال، وغادرنا في 31 أكتوبر، فمعظم الردود كانت ولا تزال مشجعة ومعززة للغاية، الناس يخبروننا عن مدى شجاعتنا للقيام بمثل هذا، لأنك لا تعرف أبدًا ما الذي سيحدث في إسرائيل.