مع إتمام العدوان الإسرائيلي على غزة 100 يوم، غدًا الأحد، لم يتبق في القطاع الذي تلقى آلاف القذائف عبر مئات الطلعات الجوية، وعاث فيه جنود الاحتلال، إلا عشرات الأحياء المدمرة والمقابر الجماعية، وانتشار الجوع والمرض لمن بقوا أحياء.
وأشار تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، إلى أن العدوان العسكري الإسرائيلي الذي لا يرحم "تسبب في إحداث دمار هائل في قطاع غزة. حتى بالمعايير المروعة لهجماتها الأربع السابقة"، وهو الأمر الذي أدى إلى تأجيج الغضب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وخارجه.
الآن، تصل الحرب إلى 100 صباح غد الأحد، دون نهاية واضحة في الأفق.
ونقل التقرير عن عبد العزيز سعدات، وهو فلسطيني من بين طوفان النازحين -الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بـ1.9 مليون نسمة- قوله: "لقد شعرت وكأنه قد مر 100 عام".
دمار واسع
أدى مرور أكثر من ثلاثة أشهر من القصف الإسرائيلي المتواصل منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي، إلى استشهاد العديد في صفوف سكان غزة، البالغ عددهم قبل العدوان 2.4 مليون نسمة.
وشهدت سماء غزة آلافًا من الضربات الجوية على الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط -المحاصر منذ فترة طويلة والمكتظ بالسكان- ما أدى إلى تدمير المناطق الحضرية المزدحمة، وهدم المباني السكنية.
كما تحوّل جزء كبير من شمال قطاع غزة إلى أرض قاحلة متربة، وأخلي جزء كبير من سكانه مع مرور القوات والدبابات الإسرائيلية عبره في غزو بري بدأ يوم 27 أكتوبر الماضي وقُتل فيه 186 جنديًا.
تقول "فرانس 24": تعرضت مستشفيات ومدارس وجامعات وأماكن عبادة في غزة للقصف. وقالت إسرائيل إن مقاتلي حماس يختبئون في شبكة أنفاق واسعة أسفل البنية التحتية المدنية".
وأضافت: "لقد تم تدمير أحياء بأكملها كانت تعج بالناس والسيارات والعربات، في قصف واسع النطاق تم الكشف عنه بشكل صارخ في الصور الجوية".
ينقل التقرير عن جامون فان دن هوك، الأستاذ المساعد في جامعة أوريجون، الذي قام برسم خرائط التأثير من خلال رادار الأقمار الصناعية: "إنه -يقصد الدمار- منتشر على نطاق واسع".
وأشار التقرير الفرنسي إلى مقتل ما لا يقل عن 23357 فلسطينيًا، أو ما يقرب من 1% من السكان، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.
وقال "سعدات"، الذي يعيش الآن في جنوب رفح -حيث تقطن العديد من العائلات الآن في خيام مؤقتة ضد برد الشتاء- إن بعض النازحين يعيشون في المدارس، والبعض في الشوارع على الأرضيات، والبعض الآخر ينام على المقاعد.
أسوأ من أوكرانيا
ينقل التقرير عن أحد الباحثين قوله: "إن حجم الأضرار التي اكتشفناها في غزة لا يمكن مقارنته إلا بالمناطق الأكثر تضررًا في أوكرانيا".
وقال الباحثون إن الأرقام التي توصلوا إليها قد تكون أعلى من البيانات المستمدة من صور الأقمار الصناعية "حيث يمكن للرادار أن يلتقط، ليس فقط منظرًا عاليًا، لكن أيضًا الأضرار التي لحقت بجوانب المباني".
ووجد تقييم أجراه مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، الذي غطى أول 50 يومًا فقط من الحرب، أن نحو 18% من المباني في غزة قد دمرت أو تضررت بالفعل.
كما أثرت الحرب على تراث غزة القديم. وهي عبارة عن شبكة من الممرات الضيقة التي ازدهرت بتجار السوق وتجار الذهب قبل الحرب.
لذا، أعربت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم –اليونسكو- عن أنها تشعر بقلق بالغ. وشددت على أن "الممتلكات الثقافية هي بنية تحتية مدنية، وبالتالي لا يجوز استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية".
دماء وفوضى
يؤكد التقرير أنه في الوقت الحالي، فإن المعركة الرئيسية التي يواجهها سكان غزة "هي مجرد البقاء على قيد الحياة".
وشاهد صحفيو الوكالة الفرنسية ما قالوا إنها "مقابر جماعية محفورة في البساتين، وساحات المستشفيات، وحتى في ملعب كرة القدم".
كما "تم نقل الجثث التي تم انتشالها من المباني المنهارة بواسطة الجرافات، وتكديسها في مشارح المستشفيات".
بينما تحدث سكان غزة إلى الصحفيين الفرنسيين، مشيرين إلى "عدم قدرتهم على انتشال الجثث المتحللة من الشوارع خوفًا من تعرضهم للقتل".
ومن بين مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى، لا يزال 15 مستشفى فقط تعمل بشكل جزئي، حسبما تظهر أحدث أرقام الأمم المتحدة. وقد داهمت القوات الإسرائيلية بعضها.
لذلك فإن "التوقعات قاتمة بالنسبة للمرضى الذين يزيدون على 60 ألفًا"، حسب التقرير.
ووصف ريك بيبيركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، المستشفيات بأنها "أماكن بها دماء على الأرض وفوضى". حيث يجرى الجراحون العمليات الجراحية بدون مخدر وعلى ضوء الهواتف الذكية.
وقال: "لم أشهد قط هذا العدد الكبير من عمليات بتر الأطراف في حياتي بين البالغين والأطفال".
يتضورون جوعًا
بسبب العدوان، وقفت معظم أعمال الزراعة وصيد الأسماك في قطاع غزة، ونفد الوقود من المخابز، وأصبحت أرفف المتاجر فارغة.
وقالت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي كورين فلايشر "لم أشهد قط مثل هذه الفجوة الغذائية الهائلة. الناس يتضورون جوعًا بالفعل".
وفي ديسمبر الماضي، أبلغت وكالة الأمم المتحدة للطفولة -اليونسف- عن 71 ألف حالة إسهال في أسبوع واحد
ويشير "سعدات"، الذي يتجمع مع معظم النازحين حول رفح في أقصى الجنوب، إلى أن الظروف الصحية للفلسطينيين "مزرية"، بينما يتدافع الناس للحصول على الغذاء الذي تجلبه شاحنات المساعدات من مصر.
وقال: "لقد فقدنا الأمل. نحن نستحم مرة واحدة فقط في الشهر. لقد انتشرت الأمراض في كل مكان".