موهبة متحركة تسمع صدى غنائه يتردد في أذنيك، وفي حركاته الساخرة تخطفك حيويته وانطلاقته، فتبعث في نفسك البهجة والحياة، هكذا يمكن وصف المطرب الراحل منير مراد، صاحب المواهب المتعددة، الذي جمع بين الغناء والتمثيل والتلحين والتقليد والإخراج والإنتاج.
ينتمي موريس زكي إبراهيم مراد مردخاي -المعروف باسم منير مراد والمولود في مثل هذا اليوم 13 يناير 1924- إلى أسرة فنية عريقة فوالده الفنان زكي مراد وشقيقته الفنانة ليلى مراد وزوجها أنور وجدي، شغفه بالفن وحبه للموسيقى والتقليد كان وراء ذيع صيته، فوضع بصمته وخفة ظله على كل عمل قدمه، فهو صانع السعادة وإكسير البهجة، القادر على خطف قلوب الجمهور بابتسامة يرسمها على الشفاه وعذوبة صوته وخفة استعراضاته واحترافيته في تقليد الأشخاص والأصوات، في وجهه قبول رباني فعاش في القلوب رغم رحيله الذي تجاوز أكثر من نصف قرن.
ثمة تضارب في تحديد تاريخ ميلاد منير مراد وتحديدًا اليوم والشهر الصحيح، بالإضافة إلى خلاف في سنة مولده والمكتوبة خطأ على عدد من المواقع قبل أن يحسم الراحل عام ميلاده وذلك في لقاء إذاعي سابق، إذ قال مازحًا: "أنا مواليد عام 1942 مطالبًا بعكس الرقم ليصبح تاريخ مولده 1924"، دون الإشارة إلى يوم وشهر مولده.
قدرة على التنبؤ
ربما لا يعرف الكثيرون جوانب خفية عن حياة منير مراد، الذي أكد في لقاء إذاعي سابق، أنه وُلد أمام باب مسجد بمنطقة العباسية بالقاهرة، ليسرد قصته: "والدتي ولدتني على باب مسجد بمنطقة العباسية بالقاهرة، ولذلك أنا أتنبأ بأشياء كثيرة لدرجة أنني أرى نفسي مجنونًا، ثم سافرت للإسكندرية حيث تربيت على يد جدتي والتي كانت تحبني جدًا، ثم بدأت أحب الفن من خلال والدي وأسرتي، فعائلة مراد فنية وتعمل بالغناء منذ 150 عامًا، فوالدتي صوتها جميل والأسرة كلها امتلكت صوتًا بديعًا، منهم شقيقي في فرنسا وشقيقتي ملك وهي مطربة كبيرة، وعاشت في أمريكا بعد زواجها من رجل مغربي، فصوتها أفضل مني 10 مرات، وشقيقتي ليلى مراد، وعمتي وكل أفراد أسرتي".
كانت الموسيقى تجري مجرى الدم في روح مراد منير، فجانب دراسته في الجامعة الأمريكية أتقن وتعلم الموسيقى على يد أساتذة أجانب، بجانب تعلمه العزف في المنزل بمفرده على بعض الآلات الموسيقية مثل العود والقانون، حيث كانت تقام بروفات حفلات شقيقته، وذلك بحسب ما أكده في لقاء إذاعي مع الإعلامي الراحل طاهر أبو زيد.
بدأ مراد منير حياته "كلاكيت" في السينما، ولكن شغفه وحبه للتمثيل والغناء والتقليد ساقه وراء حلمه، كما عمل بمجال الإخراج لمدة 15 عامًا، إذ تعلم من المخرج كمال سليم خلال عمله مساعد مخرج في 24 فيلمًا بفترة الأربعينيات، فبدأ المحيطون به يكتشفون مواهبه الكثيرة، وهو ما وفّر له فرصًا كثيرة.
تحية كاريوكا
كانت الفنانة تحية كاريوكا كلمة السر في دخول منير مراد مجال التلحين، وذلك بحسب ما أكده في لقاء إذاعي سابق، وقال عن ذلك: "دخولي مجال التلحين من خلال فنانة كبيرة وهي تحية كاريوكا والتي أتاحت لي التلحين في فيلم لها، ولحنت لها أغنية (ما قلي وقولتله)، ولكن المفارقة العجيبة أن شركة الإنتاج باعت الأغنية لتحية كاريوكا وللفنان فريد الأطرش، وبعد أن قمت بتلحين الأغنية، ولكن الأغنية اشتهرت ونُسِب تلحينها إلى فريد الأطرش لأن اسمي لم يكن معروفًا وقتها".
أسلوب فريد في التلحين
امتلك منير مراد أسلوبًا مختلفًا في تلحين الأغاني ، والتي تبدأ بوضعه فكرة الأغنية ثم جلوسه مع المؤلف لوضع كلماتها ثم تلحينها لتأتي المرة الأخيرة وهي تحفيظ الفنانين الطريقة التي يقدمون بها الأغنية لتخرج بالشكل الذي رسمه في ذهنه، ولذلك كانت أغانيه مختلفة ومتفردة في شكلها وطريقة أدائها.
تميزت ألوان أغاني منير مراد بالبهجة والسعادة، وكانت غالبية أعماله موجهة للسينما، فتعاون مع كبار الفنانين مثل عبد الحليم حافظ، وقدم له ألحان أغنيات" ضحك ولعب"، و"تعالى أقولك"، و"وحياة قلبي وأفراحه"، و"حاجة غريبة"، و"بكرة وبعده"، و"بأمر الحب"، و"قاضي البلاج يا قاضي"، و"أول مرة تحب يا قلبي".
وكان للفنانة شادية نصيب الأسد من ألحانه، إذ قدم لها 19 أغنية، منها "إن راح منك يا عين، وألو ألو، وأوعى تسيبني، واسم الله عليك، والدنيا مالها، وتعالي أقولك، وحاجة غريبة، ودور عليه، وسوق علي مهلك، وشباك حبيبي، وما أقدرش أحب اثنين، ويا سارق من عيني النوم، ويا دبلة الخطوبة، ولسانك حصانك، ويا دنيا زوقوكي، ووعد ومكتوب، ومنايا أغني، ويا حبيبي عود لي تاني، ومش قلت لك يا قلبي".
موهبة التقليد
اتسم أسلوب منير مراد بالتفرد، فعندما قدم اسكتش "محدش شاف" والذي قلد فيه الكثير من الفنانين، مثل محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وغيرهم الكثير، وكان لديه قدرة كبيرة على التقاط وتجسيد ملامح وصوت الفنان الذي يقلد، فيسرد "منير" سبب ابتعاده عن تقديم لون الاسكتشات قائلًا: "أسست شركة إنتاج مع شقيقي وأنتجت فيلم (أنا لحبيبي) للفنانة شادية، وفيلم (نهارك سعيد)، وحققا إيرادات كبيرة، وبدأنا ننتج أكثر ولكن لم نحقق مكاسب، فوجدت المنتجين يطلبونني في تلحين الاستعراضات، فبدأت تقديمها لكي أعيش، كما صممت الرقصات لأنني أضع فكرة الأغنية والاستعراض، وأنا أحب تقليد الفنانين وكنت حزينًا أنه لم يخرج شخص لاستكمال ما قدمته".
شارك منير مراد في التمثيل بثلاثة أفلام سينمائية من إنتاجه، هي "أنا وحبيبي" عام 1953 أمام شادية، و "نهارك سعيد" عام 1955، وفي العام نفسه قام بدور صغير في فيلم "موعد مع إبليس" أمام زكي رستم ومحمود المليجي ثم مرت تسع سنوات كاملة إلى أن طلب منه صديقه حسن الصيفي أن يقدم استعراضًا في فيلمه الذي أخرجه عام 1964 بعنوان "بنت الحتة".
حياة منير مراد المليئة بالمواقف لن ينساها التاريخ ويخلدها بين صفحاته، ليبقى رحيق ذكراه عطرًا رغم مرور عشرات السنوات على وفاته، إذ رحل عن عالمنا يوم 17 أكتوبر 1981.