مع استمرار صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني (AfD)، والذي يتزايد تطرفه يومًا بعد الآخر، بدأ سياسيون ألمان في مناقشة سبل تحجيم أو وقف أنشطة الحزب، والذي يقوم على خلفية متأثرة بالماضي النازي للبلاد.
وفي وقت سابق، خرجت ساسكيا إسكن -الرئيسة المشاركة للحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم- داعية لمناقشة "حظر" الحزب، فاتحة الباب لمناقشة في مختلف الأطياف السياسية، لاستشراف ما إذا كانت الجهود القانونية لحظر الحزب المتطرف -رغم أنها ممكنة بموجب القانون الألماني- ستكون "فكرة ذكية" أم ستؤدي فقط إلى زيادة صعود الحزب.
ويثير الجدل المحتدم حول ما إذا كان سيتم حظر الحزب الذي أصبح أكثر تطرفًا من أي وقت مضى "محادثات ملوّنة بالماضي النازي للبلاد"، حسب تعبير النسخة الأوروبية من مجلة "بوليتيكو".
وكتب جيمس أنجيلوس، محرر التقرير: في مجتمع يدرك أن أدولف هتلر اكتسب قوة في البداية من خلال صناديق الاقتراع، عبر فوز النازيين بأغلبية من الأصوات في الانتخابات الفيدرالية قبل الاستيلاء على السلطة، يرى عدد متزايد من القادة السياسيين -وخاصة على اليسار- حظر حزب البديل من أجل ألمانيا".
ويوضح وجهة نظر هؤلاء الساسة بقوله: "هم ينظرون إلى الحزب على أنه تهديد خطير للديمقراطية الألمانية، باعتباره ضرورة متجذرة في التجربة التاريخية".
صعود قوي
يسمح الدستور الألماني بحظر الأحزاب التي "تسعى إلى تقويض أو إلغاء النظام الأساسي الديمقراطي الحر". ما يسمح للدولة، بشكل أساسي، باستخدام الوسائل المناهضة للديمقراطية لمنع حزب استبدادي من تآكل الديمقراطية من الداخل.
لكن حتى الآن، فإن العائق القانوني أمام فرض الحظر كبير للغاية.
ولم تقم المحكمة الدستورية الألمانية بفرض الحظر على أحزاب سياسية إلا مرتين، عندما تم حظر حزب الرايخ الاشتراكي -وريث الحزب النازي- في عام 1952، وأيضًا حظر الحزب الشيوعي الألماني في عام 1956.
وفي عام 2017، قضت المحكمة بأن حزب النازيين الجدد، المعروف باسم "الحزب الوطني الديمقراطي(NPD)"، على الرغم من استيفائه للمعايير الأيديولوجية للحظر، ووصفته بأنه كان هامشيًا للغاية بحيث لا يمكن حظره.
وأوضحت المحكمة أن الحزب النازي الجديد "يفتقر إلى الدعم الشعبي، وبالتالي القدرة على حظره تعرض الديمقراطية الألمانية للخطر".
لكن يخشى لاعبون في الساحة السياسية الألمانية أن تأتي محاولة الحظر بـ "نتائج عكسية"، من خلال السماح للحزب المتطرف بتصوير خصومهم على أنهم يقوضون الإرادة الديمقراطية للشعب الألماني. وهم الساعين إلى حظر حزب لا يستطيعون التغلب عليه.
وأكد أنجيلوس، الذي يعمل مراسلا لصحيفة "نيويورك تايمز" في برلين، أنه "في الواقع، يبدو أن حزب البديل من أجل ألمانيا يحاول تحويل المناقشة إلى مصلحته التكتيكية".
وقالت أليسا فايدل، الزعيمة المشاركة للحزب وعضوة البوندستاج الألماني: "إن الدعوات المطالبة بحظر حزب البديل من أجل ألمانيا سخيفة تمامًا، وتكشف الموقف المناهض للديمقراطية لأولئك الذين يقدمون هذه المطالب".
وأضافت، في بيان مكتوب لنسخة "بوليتيكو" الأوروبية: "إن الدعوات المتكررة لفرض الحظر تظهر أن الأحزاب الأخرى قد استنفدت منذ فترة طويلة الحجج الموضوعية ضد مقترحاتنا السياسية".
استطلاعات الرأي
تكتسب هذه المناقشة أهمية أكبر في "عام رئيسي" -حسب وصف أنجيلوس- يبدو فيه الحزب اليميني مستعدًا لتحقيق أداء أفضل من أي وقت مضى في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو المقبل، وكذلك في انتخابات ثلاث ولايات في شرق ألمانيا في سبتمبر المقبل.
ويحتل حزب "البديل من أجل ألمانيا" حاليًا المركز الثاني بنسبة تأييد بلغت 23% في استطلاعات الرأي المحلية.
وفي جميع ولايات ألمانيا الشرقية السابقة، باستثناء برلين، يتقدم الحزب حاليًا في استطلاعات الرأي.
وحسب التقرير، يعمل العديد من قادة حزب "البديل من أجل ألمانيا" الأكثر تطرفًا في شرق البلاد؛ حيث يعد الحزب هو الأكثر شعبية أيضًا.
وفي اثنتين من الولايات الثلاث التي سيتنافس فيها الحزب في انتخابات الولايات العام المقبل -تورينجيا وساكسونيا- وصفت سلطات الأمن فروع الحزب المحلية بأنها "متطرفة مضمونة".
وهذه التسمية "تُعزز الحجج القانونية لفرض الحظر"، حسب "بوليتيكو".
والأسبوع الماضي، ارتفعت الأصوات المطالبة بحظر الحزب اليميني الألماني، بعد الكشف عن حضور أعضاء من الحزب اجتماعًا سريًا للمتطرفين اليمينيين؛ منهم رولاند هارتويج، وهو برلماني سابق، والآن هو مساعد شخصي مقرب من فايدل.
وفي الاجتماع، تمت مناقشة "خطة رئيسية" لترحيل ملايين المقيمين في البلاد. بما في ذلك "المهاجرين" و"المواطنين غير المندمجين".
يقول أنجيلوس: أصابت الأخبار الكثيرين بالصدمة في جميع أنحاء البلاد، حيث قارن الكثيرون خططًا مماثلة وضعها النازيون.
وفي منشور على منصة التواصل الاجتماعي X، أشار المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أن الأمر يتعلق بالقضاء الألماني.
وأضاف: "التعلم من التاريخ ليس مجرد كلام. يجب على الديمقراطيين أن يقفوا معًا".
معضلة مختلفة
يشير أنجيلوس إلى أن "ديمقراطية ما بعد الحرب في ألمانيا لم تواجه قط اختبارًا أعظم من هذا، ولا يزال الساسة -فضلًا عن عامة الناس- منقسمين حول كيفية الاستجابة".
يقول: "نظرًا لأرقام استطلاعات الرأي التي حققها حزب البديل من أجل ألمانيا، فإن أي محاولة لحظره من شأنها أن تفرض معضلة مختلفة تمامًا".
وتساءل: "كيف سيتعامل الساسة الألمان مع ردة الفعل العكسية من جانب العديد من أنصار الحزب؟".
بالنسبة للمحافظين من يمين الوسط -الذين يتقدمون في استطلاعات الرأي الوطنية- فهم يميلون إلى النظر إلى محاولة الحظر بشكل سلبي.
وقال فريدريش ميرز، زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط، لصحيفة مونشنر ميركور: "هل تعتقد رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي جديا أنه يمكنك ببساطة حظر حزب يصل إلى 30% في صناديق الاقتراع؟ هذا قمع مخيف للواقع".
وبالنسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، فإن المخاطر المتعلقة ببقاء "البديل من أجل ألمانيا" السياسي أعلى بكثير.
فقد شهد الحزب انخفاضًا حادًا في شعبيته، وفي ولايتين في شرق ألمانيا، يقترب الحزب بشكل خطير من الانخفاض إلى ما دون حاجز الـ 5% اللازم للفوز بمقاعد في برلمانات الولايات.
وحتى داخل الحزب -الذي يعد تاريخه في مقاومة النازيين مصدرا للفخر- هناك خلاف حاد حول ما إذا كان الحظر فكرة جيدة.
وقال المفوض الاتحادي لشرق ألمانيا كارستن شنايدر -وهو ديمقراطي اشتراكي- إنه "إذا قمنا بحظر حزب لا نحبه، لكنه لا يزال يتقدم في استطلاعات الرأي، فإن ذلك سيؤدي إلى تضامن أكبر معه".