بين محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستميتة للبقاء في منصبه وتجنب السجن بتهم الفساد، ما جعله رهينة لمطالب أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه الحاكم. تعاني العلاقة بين واشنطن وتل أبيب من صعوبات عدة. حيث يحمل وزراء اليمين الصهيوني -لا سيما بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير- وجهات نظر قاتلة للفلسطينيين.
وفيما يتعنت الائتلاف الإسرائيلي أمام المقترحات الأمريكية، التي يعتبرونها "ودية للغاية" تجاه الفلسطينيين. يُغضب نتنياهو واشنطن من أجل ائتلاف يعلم أنه لو خسره قد لا يخسر رئاسة الوزراء فقط، بل مستقبله كله.
لذلك، تلفت نهال الطوسي، كبيرة مراسلي الشؤون الخارجية في صحيفة "بوليتيكو"، إلى أنه بينما يكافح الفلسطينيون من أجل البقاء على قيد الحياة بعد القصف الإسرائيلي وفيما صار نتنياهو مترددًا في الأخذ بالنصيحة الأمريكية بشأن حربه على غزة، تتصاعد التوترات، ولا يعلم المسؤولون الأمريكيون مَن الذي ينبغي عليهم التحدث معه.
مَن يقود؟
يعتبر نتنياهو، الذي يطلق عليه العديد من الإسرائيليين لقب " الملك بيبي"، رئيس الوزراء الأطول بقاء في إسرائيل، حيث شغل المنصب بشكل متقطع لمدة 16 عامًا تقريبًا.
والآن قد تكون فرصه في البقاء في السلطة أعلى كلما طال أمد الحرب، كما يشير بعض المحللين والمسؤولين الأمريكيين.
تنقل "الطوسي" عن مسؤول أمريكي مطلع على المناقشات مع تل أبيب (طلب عدم الكشف عن هويته) قوله: "ليس من الواضح دائمًا مَن يقود القطار في إسرائيل. كانت هناك أوقات ألمح لنا فيها نتنياهو -أو حتى كان أكثر صراحة- في الإشارة إلى أن يديه مقيدتان".
تضيف: "كان يقول -تقصد نتنياهو- كما تعلمون، ليس أنا، إنه ائتلاف. إنها الضرورات السياسية التي أواجهها".
وأوضحت أنه، بالنسبة للعديد من الذين يتابعون السياسة الإسرائيلية، قد يكون من الصعب التعاطف مع نتنياهو "بسبب رغبته في البقاء في السلطة، قدم الكثير من التنازلات مع الفصائل الأكثر تطرفًا في إسرائيل، حتى إنه قيّد نفسه حتى قبل الحرب".
وأضافت: "الآن، فإن محاولة إرضاء سموتريتش وبن جفير تضعف قدرته على اتخاذ قرارات صعبة خلال وقت خطر وغير عادي بالنسبة لإسرائيل".
كما يصف آرون ديفيد ميلر، الذي عمل مفاوضًا في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، نتنياهو بأنه "يائس بشكل متزايد".
يقول: " كان الرجل الذي طالما صوّر نفسه على أنه أفضل أمل لإسرائيل لتحقيق الأمن في منطقة صعبة. وهي الأيقونة التي تضررت بشدة في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر. إنه مثال رهيب لزعيم خلط بين بقائه السياسي وبين ما يعتبره المصالح الفضلى لهذا البلد".
وقال للطوسي: "هذا مزيج رهيب، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات رهيبة".
غضب أمريكي
تشير كبيرة مراسلي "بوليتيكو" إلى أنه "في السر، يشعر البعض في إدارة بايدن بالغضب من أن نتنياهو لا يزال على رأس الحكومة الإسرائيلية، ويعتقدون أن مدة صلاحيته السياسية محدودة".
وتلفت إلى أن هؤلاء لم ينسوا كيف أن نتنياهو، من وجهة نظرهم، لم يحترم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وتودد لخليفته الرئيس السابق دونالد ترامب، مستغلًا الانقسامات الحزبية في أمريكا. لكن المسؤولين الأمريكيين لا يتخلون عن نتنياهو وسط هذه الأزمة.
كما رفض مسؤول كبير في الحكومة الإسرائيلية للمحررة الأمريكية فكرة إضعاف نتنياهو. وقال: "إنه قوي كما كان دائمًا ويقود هذه الحرب بمهارة وحكمة. ونحن نقدر دعم الرئيس بايدن وصداقته لإسرائيل وزعيمها".
ولكن نتنياهو اليوم صار "أكثر تهذيبًا وتعبًا وتجويفًا مما كان عليه في الماضي، عندما كان مشهورًا بسحره وغطرسته"، حسب الطوسي.
بل "وفي هذه الأيام، أصبح في بعض الأحيان أكثر حذرًا وعمليًا من الآخرين المحيطين به، بما في ذلك أعضاء حكومة الطوارئ العسكرية الإسرائيلية، التي لا تضم سموتريتش أو بن جفير"، كما قالت.
لكن اثنين من المسؤولين الأمريكيين، الذين تحدثت إليهما محررة المجلة الأمريكية، قالا إنه غير راغب في الموافقة على بعض طلبات واشنطن مثل حثه على الإفراج عن جزء كبير من عائدات الضرائب المخصصة للسلطة الفلسطينية.
ويعتقد الأمريكيون أيضًا أن الضغوط السياسية التي يمارسها اليمين المتطرف هي أحد الأسباب التي تجعل نتنياهو يتراجع عن طلبات الولايات المتحدة للسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة. وهو ما وصفه أحد من شملهم التقرير بـ"أمر محبط للغاية".
المتطرفون
يختلف نتنياهو مع بايدن وفريقه بشأن قضايا طويلة المدى، فهو رافض لإصرار واشنطن على أن تلعب السلطة الفلسطينية دورًا في حكم غزة في نهاية المطاف. ناهيك عن فكرة الدولة الفلسطينية المستقبلية.
في الوقت نفسه، لم تبذل واشنطن جهدًا كبيرًا لبناء علاقة مع بن جفير وسموتريتش، خوفًا من أن يحاول الاثنان استغلال الموقف كوسيلة لإضفاء الشرعية على أفكارهما اليمينية المتطرفة لأن الرجلين "متشددان للغاية في آرائهما وأقل عملية بكثير من نتنياهو".
وقال مسؤول أمريكي للطوسي: "هذه ليست خلافات تكتيكية مبنية على تصورات أو حتى مصالح. إنهم يفعلون ذلك من منطلق الأيديولوجية والتعصب".
وأضاف الثاني: "إنهما متشددان. لكن بيبي، على الرغم من أنه ضعيف ومثير للمشكلات على المستوى الشخصي، إلا أنه ليس أيديولوجيًا مجنونًا مثل هذين الرجلين".
ولأنه أشار أخيرًا إلى أنه لن يستقيل حتى بعد انتهاء العدوان، يرجح كثيرون أن الدافع الرئيسي لنتنياهو للبقاء في منصبه هو أنه يأمل أن يتمكن حلفاؤه اليمينيون المتطرفون من المساعدة في حمايته من مواجهة اتهامات تتراوح بين الاحتيال والرشوة في قضايا متعددة، بما في ذلك القضية التي اتُهم فيها بقبول هدايا من رجال الأعمال الأثرياء.