بالسنة النهائية في معهد الموسيقى العربية، جلس فنان شاب بمفرده يدندن ويعزف إحدى أغنياته "شوية صبر" التي لحنها، لم يكن يدرك أن نجمة بحجم المطربة وردة تسترق السمع من وراء الأبواب، ويفاجأ بها أمامه تسأله من أنت ومن لحن هذه الأغنية؟ إجابة الملحن الشاب وقتها كانت اسمي حلمي بكر، ووضعت ألحانها وأغنيها بمفردي.
فوجئ حلمي بكر بأن وردة تعرض عليه التعاون الفني، رغم أنه في ذلك الوقت عام 1962 كان من الصعب أن يستعين نجم كبير بملحن شاب لم يسبق له أن لحن أي أغنية خرجت للنور، وبالفعل أكمل تلحين الأغنية التي قدمتها في إحدى حفلات ليالي أضواء المدينة، وبعد تصفيق الجمهور الذي لم يكن يعرف بعد من وضع الألحان، حرصت وردة على دعوته للصعود إلى المسرح.
تعثر حلمي بكر في الصعود إلى المسرح، إذ لم يعتد على الوقوف أمام كل هذا العدد من الجمهور، الأمر أشبه بحلم تحقق سريعًا، لكن أتى بفضل موهبته التي لمستها وردة منذ اللقاء الأول، واستمر التعاون بينهما في العديد من الأغنيات الأخرى ومنها "مادريتوش"، "على عيني"، "معندكش فكرة"، والأغنية الشهيرة يا "خبر".
تنقل حلمي بكر من أغنية إلى أخرى بفضل وردة أيضًا، التي قدمته إلى محمد حسن الشجاعي مدير الإذاعة المصرية وقتئذ، وأخبرته بأنه أحد الموهوبين الجدد في صناعة الموسيقى، حتى أصبح اسم حلمي بكر رائجًا في عالم التلحين ويتعاون معه الكثير من المطربين، المصريين والعرب.
الموسيقي الشهير الذي يرقد حاليًا على فراش المرض ولا يقدر على الحركة، حسبما تقول زوجته، ما زالت ألحانه تسير في قلوب محبي الغناء أو بتعبير أدق الطرب، إذ تعاون مع نجوم بحجم عبد الحليم حافظ في أغنيات منها "ليلى قمر"، فيما يعد تعاونه الأبرز مع المطربة نجاة في "مهما الأيام تعمل فينا"، و"أنا ناسية وفاكرة"، وتألق مع سميرة سعيد في أغنيات "أنا ولا أنت"، "بلاش لعب عيال"، إيش جاب لجاب".
حلمي وبكر وأصالة
"اغضب"، واحدة من أشهر أغنيات المطربة أصالة التي صدرت عام 1994، ضمن ألبوم يحمل الاسم ذاته، ووضع ألحانها حلمي بكر رغم أنها مسؤولية كبيرة أن يضع ألحان قصيدة للشاعر الكبير نزار قباني، فالمقارنات ستعقد لا محالة بين القصيدة والأغنية، لكن النتيجة جاءت في صالح الملحن الواثق من نفسه، والذي كان بالفعل حجز لنفسه مكانة بارزة بين الملحنين المصريين والعرب.
وأيضًا تعاون الموسيقار المعروف بجرأته في إبداء آرائه الفنية مع المطربة عليا التونسية ولحن لها الأغنية الوطنية الشهيرة "يا حبايب مصر"، ليواصل العطاء الفني مع أجيال مختلفة منهم صابر الرباعي، نانسي عجرم، محمد الحلو، عزيزة جلال، علي الحجار، وغيرهم من المطربين.
من البديهي لملحن تعاون مع كل هؤلاء النجوم أن يكتسب ثقة في ذاته، فالفنان الذي تعثر في صعوده الأول على المسرح، لم تتخبط قدماه مرة أخرى، وصار يعبر عن رأيه في المطربين والملحنين بجرأة شديدة، ولا يتردد أن يخبر فنان في بداية حياته أنه لا يصلح، هذا الأمر الذي كان يفعله مع اختياره عضو لجنة تحكيم بعدد من برامج اكتشاف المواهب الشابة، لكنه كما يرفض الرديء يفتح ذراعيه ويبدي إعجابه الشديد بأي فنان حقيقي وليس دخيلًا على الفن.