تواجه النساء في غزة خطر الولادة دون مساعدة طبية أو مسكنات الألم، ومع تفريغ المستشفيات من الإمدادات، ومداهمة جيش الاحتلال الإسرائيلي لها، وامتلائها بضحايا الحرب بما يفوق طاقتها، قررت السيدة الفلسطينية "حنان" أن تجلب ابنها الأصغر إلى العالم داخل منزلها.
عندما دخلت الفلسطينية حنان مرحلة المخاض، في وقت سابق من هذا الشهر، كانت عالقة بين الألم والخوف من مواجهة الولادة دون مساعدة طبية، والرعب من الغارات الجوية الإسرائيلية إذا حاولت الوصول إلى المستشفى، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.
حنان، وهي الآن أم لثلاثة أبناء وابنة، فرّت من حرب وحشية قبل عقد من الزمن، وهي فلسطينية نشأت في سوريا، وانتقلت إلى غزة عام 2012 هربًا من الحرب الأهلية في منزلها الأول، لتجد الصراع ينتظرها في منزلها الجديد.
وقالت "حنان" كان الألم مبرحًا، وكنت يائسة للذهاب إلى المستشفى، لكن الوضع في الخارج جعل الأمر مستحيلًا.
اجتمعت النساء في منزل حنان حتى تتمكن الممرضة "هيا" من مراقبة حالتها طوال الليل باستخدام بطاريات هواتفهن لإضاءة الغرفة، وفقًا لصحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
ارتجال طبي
عملت "هيا" في أقسام الولادة في المستشفيات، ولكن دائمًا جنبًا إلى جنب مع الأطباء، والتي قالت: "لم أستقبل طفلًا بنفسي.. وفجأة، كان على أن أفعل كل ما في وسعي لإبقائها على قيد الحياة". مضيفة: "كان على أن أرتجل وأقطع الحبل السري باستخدام مقص من مطبخ حنان.. إذ لم يكن هناك معقم، وكان من المستحيل الخروج من المنزل لمحاولة الحصول على بعض المعقمات أو شراء مقص طبي".
تعود حنان لتروي تفاصيل اللحظات القاسية: "على الرغم من التحديات المتمثلة في شحن هواتفنا، أضاءوا الغرفة بمصابيحهن اليدوية لمساعدة الممرضة هيا أثناء ولادتي"، كما لفت إلى أن النسوة حاولن دعمها وتشجيعها ومحاولة مساعدتها على تنظيم تنفسها لتحمل الألم الوحشي.
وقالت: "وجدت نفسي أصرخ من الألم أمام أطفالي، الذين كانوا مرعوبين بالفعل إثر الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة"، وعندما بدأت ابنتها "سيرين" البالغة من العمر سبع سنوات بالبكاء حاولت "حنان" جاهدة تحمل الألم دون الصراخ، مضيفة: "صرخات سيرين حطمت قلبي.. لم أتمكن من طمأنتها، وكانت خائفة من صراخي.. لذا، وفي خضم خوفي وألمي، كافحت لاحتوائهما."
وذكرت "حنان": "لقد سميت ابني ورد.. آمل أن يكون له مستقبل جميل مثل الورود.. فحتى عندما كان طفلًا حديث الولادة، أظهر قوة ملحوظة، متحديًا القصف الإسرائيلي ونقص الغذاء والدعم الطبي الأساسي ليأتي إلى هذا العالم."
الموت بكرامة
وتعيش الأسرة في حي النصر غرب قطاع غزة، والذي أمرت القوات الإسرائيلية المدنيين بإخلائه في بداية الحرب، واتجهوا جنوبًا إلى خان يونس، لكن الظروف في المدينة كانت قاتمة للغاية لدرجة أنهم قرروا العودة إلى الحي نفسه.
وقالت "حنان": "حتى لو كان ذلك يعني المخاطرة بحياتي، فضلت مواجهة الموت بكرامة". "لم أستطع تحمل فكرة البقاء في ملجأ للنازحين، حيث لم يكن لدى أطفالي مراتب للنوم عليها، وكان هناك نقص حتى في الأساسيات مثل الماء والغذاء".
وقالت الأمم المتحدة إنها تشعر بقلق بالغ بشأن النساء الحوامل اللاتي لا يستطعن الحصول على الرعاية الصحية في غزة.
وفي أكتوبر، أشارت تقديرات إلى أن أكثر من 50 ألف امرأة في غزة حوامل، ومن المتوقع أن تلد أكثر من 100 امرأة كل يوم وسط نقص في الضروريات الأساسية بما في ذلك الغذاء والماء، وقلة فرص الحصول على الرعاية الصحية.
وانخفض عدد المستشفيات العاملة من 36 إلى ثمانية، ويقول الأطباء في جميع أنحاء غزة إنها مكتظة بضحايا الغارات الجوية والقتال، وقد أجبر ذلك مئات النساء على الخضوع للولادة بمفردهن في المنزل، مثل حنان.
ووفق منظمات حقوقية دولية، توفي أربعة أطفال، خلال نوفمبر، في وحدة العناية المركزة بمستشفى النصر، بعد أن أُجبر الموظفون على الإخلاء أثناء الهجوم، ولم يتمكنوا من اصطحاب الأطفال معهم، فيما توفي خمسة آخرون في مستشفى الشفاء، قبل أن يتم إجلاء المرضى حديثي الولادة الناجين إلى مصر.