عادت أواصر العلاقة بين الجمهور وقاعات السينما في عام 2023، بعد هجر طال أمده بسبب انتشار فيروس كورونا، ثم المرور بمرحلة تعافي استهلكت وقتًا كثيرًا، حتى شهد العام الحالي الذي أوشك على الانتهاء عودة مؤشر الأرقام القياسية للصعود من جديد، عبر إنتاجات سينمائية على مستوى الوطن العربي والعالمي.
أفلام رائجة تجاريًا شهدتها دور السينما العالمية هذا العام، يأتي في مقدمتها ظاهرة "باربنهايمر" التي ترمز إلى فيلمي Barbie "باربي"، وOppenheimer "أوبنهايمر"، اللذين صدرا في توقيت متزامن بموسم الصيف وحقق الأول مليار و441 مليون دولار، فيما حصد الثاني 952 مليون دولار من شباك التذاكر العالمي.
وأسهم فيلم "باربي" في صعود أسهم مخرجته جريتا جيروج وباتت أول مخرجة يحقق فيلمها مليار دولار في شباك التذاكر، وتم ترشيحها للعديد من الجوائز، كما أكدت تقارير نقدية أن النجاح الذي حققته دفع شركات الإنتاج إلى إعادة النظر في منح فرص أفضل للمخرجات للتصدي لأعمال سينمائية بميزانيات مرتفعة.
أما كريستوفر نولان، مخرج فيلم "أوبنهايمر" ذائع الصيت، فيعتبر شريطه السينمائي عن السيرة الذاتية لمطور القنبلة الذرية والعالم الفيريائي الأمريكي ج . روبرت أوبنهايمر، أحد أفضل الأفلام ربحًا في تاريخه السينمائي.
أكثر 10 أفلام إيرادات في 2023
ولا تعد مخرجة فيلم "باربي" الوحيدة صاحبة الانتصار البارز في عام 2023، إذ انحاز شباك التذاكر أيضًا إلى أفلام الرسوم المتحركة، لتحجز 3 منها أماكنها بقائمة أكثر 10 أفلام إيرادات على مستوى العالم، بل إن فيلم The Super Mario Bros. Movie جاء في المركز الثاني، مُحققًا مليار و361 مليون دولار، وجاء Spider-Man: Across the Spider-Verse بالمركز السادس بـ690 مليون دولار، وElemental في الترتيب الـ9 بـ496 مليون دولار.
واللافت للنظر أن الكثير من سلاسل الأفلام حافظت على جماهيريتها واستفادت بها أيضًا في العام الحالي، لتحجز أماكنها في القائمة نفسها، ويأتي في المركز الرابع الجزء الثالث من Guardians of the Galaxy Vol. 3، والمركز الخامس الجزء الجديد من سلسلة أفلام الحركة Fast X، وأسهم محبو الرجل العنكبوت في أن تحتل النسخة الجديدة Spider-Man: Across the Spider-Verse المكانة السادسة، ويظهر توم كروز بالقائمة بعنوان جديد من سلسلته المفضلة المهمة المستحيلة Mission: Impossible - Dead Reckoning Part One، بينما جاء في المركز العاشر فيلم Ant-Man and the Wasp: Quantumania.
ومن أبرز الأفلام الصادرة هذا العام The Little Mermaid، الذي يحكي قصة خيالية عن حورية بحر شابة تعقد صفقة مع ساحرة بحرية لاستبدال صوتها الجميل بأرجل بشرية، حتى تتمكن من اكتشاف العالم فوق الماء وإثارة إعجاب الأمير، ويبدو أن الحورية لم تثر إعجاب الأمير فقط بل أيضًا نالت استحسان جمهور الشاشة الكبيرة، الذي دفع به إلى المركز السابع عالميًا بمبيعات تذاكر وصلت 569 مليون دولار.
بيت الروبي والأرقام القياسية
لافتة الأرقام القياسية ظهرت أيضًا في إنتاجات السينما المصرية هذا العام، إذ نجح تعاون المخرج بيتر ميمي مع كريم عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز في "بيت الروبي" أن يصبح الفيلم الأكثر إيرادات بتاريخ السينما المصرية، مُحققًا 130 مليون جنيه و877 ألفًا، خلال 24 أسبوع عرض، واللافت للنظر أن الرقم القياسي السابق كان مُسجلًا أيضًا باسم كريم عبدالعزيز بفيلمه "كيرة والجن"، الذي تعاون فيه مع أحمد عز وحقق العمل في عام 2022 إيرادات قُدرت بـ19 مليونًا و500 ألف جنيه مصري.
لكن يظهر الفارق الكبير بين "بيت الروبي" والفيلم الثاني بقائمة أكثر الأفلام إيرادات في عام 2023، إذ يأتي خلفه فيلم "تاج" بطولة تامر حسني مُحققًا نحو 45 مليونًا، وبفارق 2 مليون فقط جاء فيلم أمير كرارة "البعبع" في المرتبة الثالثة.
ومن مفاجآت هذا العام، وجود أكرم حسني في أول تجربة سينمائية منفردة له بالقائمة، حاجزًا المركز الرابع بفيلمه "العميل صفر" مُحققًا 42 مليون دولار، وكذلك فيلم "وش في وش" بطولة محمد ممدوح وأمينة خليل، الذي احتل المركز الخامس، وكذلك نال إشادة نقدية واسعة، خصوصًا أن أحداثه تدور في منطقة تصوير واحدة صاغها بعناية المخرج وليد الحلفاوي في ثاني تجربة روائية طويلة له.
وإجمالًا شهدت السينمائية المصرية عرض 42 فيلمًا هذا العام، حققت مجتمعة إيرادات بلغت نحو 785 مليون جنيه من شباك التذاكر، كما تميزت دور السينما بأن قاعاتها شهدت تنوعًا كبيرًا في الأعمال المعروض، إضافة إلى ارتفاع ملحوظ على مستوى الكم الإنتاجي، وكان هناك أسابيع تشهد عرض نحو 10 أفلام دفعة واحدة.
السينما السودانية
ومن أبرز الظواهر في السينما العربية هذا العام، التفوق الكبير للسينما السودانية بفضل فيلمها البارز "وداعًا جوليا"، الذي حصد جوائز عدة، منها جائزة الحرية في مسابقة "نظرة ما" Un Certain Regard بمهرجان كان، في أول مشاركة لفيلم سوداني بالمهرجان السينمائي، كما سبق أن حصل على جائزة منظمة الفيلم السويدي النقدية في مهرجان مالمو للسينما العربية.
ونجح مخرج الفيلم محمد كردفاني، في أول أعماله الروائية الطويلة أن يسطر اسمه في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية، وسافر بشريطه السينمائي دولًا شتى، عارضًا تجربته السينمائية التي تحكي عن الواقع السوداني في إطار درامي تدور حبكته بالعاصمة السودانية الخرطوم قبل انفصال الجنوب، إذ تحاول زوجة تُدعى "منى" تسكن شمال السودان في أن تتخلص من إحساسها بالذنب بالتسبب في مقتل زوج امرأة جنوبية، لذا تستعين بها للعمل خادمة في منزلها، والعمل بطولة إيمان يوسف، وسيران رياك ملكة جمال جنوب السودان.
المخرجات النساء
وكما كان الحال في السينما العالمية مع ظهور اسم مخرجة سيدة وتألقها في فيلم "باربي"، كان الأمر مُماثلًا إلى حد كبير بالسينما العربية، مع المخرجتين التونسية كوثر بن هنية، والمغربية أسماء المدير، بحضور أحدث إبداعاتهما السينمائية "بنات ألفة" و"كذب أبيض" بالقائمة القصيرة بفئة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، مع ترقب كبير من السينمائيين العرب لنجاح إحداهما أو كلاهما في العبور إلى القائمة النهائية.
إضراب هوليوود
لكن العام السينمائي 2023 لم يكن جميلا على الدوام، بل شهد النصف الثاني منه الاضراب المزدوج بهوليوود لنقابتي الممثلين والكتاب، الذين طالبوا على مدار شهور طويلة بحقوقهم من استوديوهات هوليوود، والحصول على أجور عادلة، وحمايتهم من مخاطر الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى غياب العديد من النجوم عن حضور مهرجانات سينمائية عالمية التزاما بشروط النقابتين التي تمنعهم من الترويج لأفلامهم وقت الاضراب، كما تسبب ذلك في تعطيل إنتاج عدد من الأفلام واضطراب شديد في تاريخ إصدارها.
وانتهى إضراب أعضاء النقابتين بالحصول على عقود جديدة تصب في مصلحتهم، بعدما تعطلت العديد من المشاريع، الأمر الذي سيوثر بدوره على الانتاجات السينمائية في العام المقبل.
تأجيل وإلغاء مهرجانات سينمائية
تعرض عدد من المهرجانات السينمائية العربية إلى الإلغاء أو التأجيل، بسبب ما تشهده فلسطين من اعتداءات إسرائيلية، ليحتجب مهرجان القاهرة السينمائي عن الحضور بدورته الـ45، رغم انتهاء الاستعدادات الكاملة لإقامتها، تضامنًا مع غزة وحدادًا على أرواح الضحايا الأبرياء، كما ألغيت الدورة الجديدة لأيام قرطاج السينمائية.
فيما ذهبت مهرجانات أخرى إلى خيار إقامة دوراتها وتضمين برمجتها الرئيسية بعناوين سينمائية تعالج القضية الفلسطينية، لنرى مهرجان الجونة يستبعد السجادة الحمراء بأخرى بلون الرمل، فيما استبدلت إدارة مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية السجادة الشهيرة بأخرى سوداء.