"عملية حارس الازدهار".. مبادرة أمنية متعددة الجنسيات أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل تحالف دولي للتصدّي لهجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، لكن يبدو أن هذا التحالف يواجه عدة ردود متباينة ومشكلات وأزمات قبل حتى إعلان ولادته، التي لم يبد لها أي حلول، حتى صار التشكيك في جدواه أقرب من الإيمان بدوره في إنجاز مهمته.
ويأتي تشكيل هذا التحالف في أعقاب سلسلة من الهجمات الحوثية، التي استهدفت سفنًا تجارية في البحر الأحمر، بما في ذلك هجوم في نوفمبر 2023، أسفر عن مقتل مدني أمريكي.
هجمات الحوثيين ضد إسرائيل
تستهدف هجمات الحوثيين بالطائرات دون طيار والصواريخ ضد سفن الشحن الإضرار أولًا: بالاقتصاد الإسرائيلي، الذي يستقبل 40% من وارداته عبر البحر الأحمر، وثانيًا: توسيع الحرب في غزة إلى دول أخرى بالمنطقة.
أزمات تواجه التحالف
أولى الأزمات التي واجهت ذلك التحالف هو رفض الدول المُطلة على البحر الأحمر المشاركة في "المبادرة الأمنية الأمريكية"، فقد صرح السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، جيرالد فيرستاين، بأن الولايات المتحدة "ربما لا تكون سعيدة، لأن هناك دولًا وقوى إقليمية لم تشتركا علنًا في قوة المهام"، وأضاف "أن البيت الأبيض لا بد أنه كان أعمى وأصم وأبكم حتى لا يفهم ما يجري ويفاجأ برد الفعل من جانب تلك الدول، وفقًا "رويترز".
وهناك تقارير غربية رأت أن اقتصار المشاركة العربية على البحرين فقط أفقد هذا التحالف شرعيته الإقليمية، بصورة جعلت وصفه بـ"التحالف الغربي" هو الأقرب للواقع من مصطلح "تحالف دولي"، لأنه يضم دولًا غالبيتها غربية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.
دول ترفض إعلان مشاركتها
رغم إعلان واشنطن موافقة أكثر من 20 دولة بالمجمل على المشاركة في التحالف الجديد بقيادة الولايات المتحدة، وفق ما أعلن البنتاجون، لكن هناك ثمانية على الأقل تشارك على استحياء، فمنها التي قررت الانضمام لتلك الجهود مع رفض الكشف عن مشاركتها علنًا، في إشارة إلى الحساسيات السياسية للعملية مع تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة الحرب بين إسرائيل وحماس.
وأطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" هذا الأسبوع، قائلة إن أكثر من 12 دولة وافقت على المشاركة في جهد سيشمل دوريات مشتركة في مياه البحر الأحمر بالقرب من اليمن.
وبعض الدول الغربية التي أعلنت مشاركتها يبدو أنها تتأرجح في الرأي، ففي البداية، اعترفت فرنسا باهتمامها بالمساعدة في حماية التجارة البحرية بالبحر الأحمر، لكنها أكدت أنها ستفعل ذلك بانتظام "تحت القيادة الفرنسية"، فيما قالت إيطاليا شيئًا مشابهًا: "إن السفينة الحربية التي سترسلها إلى المنطقة ستحمي السفن التي ترفع علمها"، أما موقف إسبانيا فكان أكثر دقة، إذ قالت وزارة دفاعها "إن البحرية لن تشارك في "عملية حارس الرخاء" إلا في إطار مهمة الناتو أو الاتحاد الأوروبي، مع إرشاداتها".
وجاء في بيان لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، كشف أن التحالف الجديد "عملية حارس الازدهار"، يضمّ بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، مضيفًا أنهم سيقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
ثلاث صخرات
مع كل ما مر لكن نجد أن هذا التحالف الجديد يصطدم حتى الآن بثلاث صخرات ربما تكون حجر عثرة أمامه، الأولى أنه يعلن بعد عن الأهداف الواضحة والمحددة، ما يثير بعض الشكوك حول جديته في مواجهة الحوثيين، الأمر الثاني أن هناك خلافات بين الدول المشاركة في وجهات النظر، ما قد يؤثر على قدرته على العمل بفعالية، الأمر الثالث صعوبة تحقيق أهداف التحالف مع صعوبة تحديد أهداف الحوثيين، وصعوبة الوصول إلى مواقع الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية.
تشكك في هزيمة الحوثيين
واشنطن أعلنت حربًا جديدة على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها لكن هناك آراء كثيرة تُشكك في قدرتها على هزيمة الحوثيين، إذ قالت إيلينا سوبونينا، خبيرة مجلس الشؤون الدولية الروسي، لصحيفة "فزغلياد" الروسية: "هذا التحالف يمكن أن يقلل بشكل كبير من عدد هجمات الحوثيين، لكنه لن يكون قادرًا على ضمان سلامة الملاحة بشكل كامل، لأن الحوثيين ليسوا تجسيدًا جديدًا للقراصنة الصوماليين، الذين كان من الممكن حماية السفن المدنية منهم ببساطة بإغراق القوارب التي كانوا يستخدمونها".
"سوبونينا" أضافت أن "حركة الحوثيين حركة عسكرية قوية ومتماسكة مسلحة بالصواريخ والطائرات المسيرّة ووسائل أخرى لإغراق الأهداف البحرية المدنية والعسكرية؛ كما أن سبب عدم مشاركة بعض الدول العربية يرجع جزئيًا إلى أنهم يفهمون عدم جدوى مثل هذه الفكرة، بسبب خوفهم من ردة فعل عنيفة من الحوثيين، وأن مواجهة الحوثيين تعني في هذه الحالة بالذات الوقوف ضد مطالبهم برفع الحصار عن قطاع غزة، وهذا يعني أنهم ضد القضية الفلسطينية".
عائق كبير أمام التحالف
كما أن هناك عائقًا كبيرًا أمام هذا التحالف، أن هناك الكثيرين يدركون أن الدافع الحقيقي لإعلان أمريكا تشكيل هذا التحالف ليس القتال ضد الحوثيين، بل حماية المصالح الإسرائيلية ودعم قوتها في الحرب الدائرة على قطاع غزة، ومحاولة تنظيم حرب ضد إيران ما يؤدي إلى نشوب حرب كبيرة في الشرق الأوسط، وسط مخاوف من زيادة التوتر بالمنطقة، مع تصعيد الصراع في اليمن.
الهباش: أمريكا أوصلت مجلس الأمن إلى مستوى "تافه"
ينتهي بنا المطاف إلى أن هناك حربًا عبثية تريد أن تشعلها أمريكا من جديد في منطقة الشرق الأوسط لحماية إسرائيل ومصالحها بالمنطقة، وهو أمر وصفه مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش، في تصريحات لقناة "القاهرة الإخبارية"، بأن المجتمع الدولي مُطالب بتغيير النمط السائد في مجلس الأمن، الذي تضمن فرض الولايات المتحدة إرادتها المُسخّرة لخدمة إسرائيل وحمايتها، إذ إن واشنطن كانت الدولة الوحيدة الرافضة لقرار وقف إطلاق النار الفوري بقطاع غزة، في مقابل 14 دولة أخرى في مجلس الأمن توافق على القرار.
"الهباش" واصل حديثه بالقول: "إن الولايات المتحدة أوصلت مجلس الأمن إلى مستوى "تافه جدًا"، لدرجة أنه يجتمع من أجل الموافقة على إدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة، مؤكدًا أن العالمين العربي والإسلامي مُطالبان بمخاطبة الولايات المتحدة باللغة التي تفهمها، المتمثلة في استخدام أسلوب المقايضة على المصالح؛ من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين".