لذوي الهمم حضور لا بأس به في الأعمال الدرامية المختلفة، قد لا يكون كافيًا للتعبير عن كفاحهم في الحياة، لكنه يلقى القليل من الضوء على حياتهم والمشكلات التي يعانون منها، سواء مجتمعية أو نفسية أو تحديات خاصة، وذلك رغم أن تجسيد حضورهم في السينما أو التلفزيون ليس بالأمر السهل، ويحتاج لمواصفات خاصة يجب أن تتوافر في المسلسل حتى لا ينقلب السحر على الساحر، ويتحول العمل إلى تجربة فنية تفقد رسالتها التي صُنعت من أجلها.
الوصول للجمهور
على مستوى الدراما العربية شاهدنا أعمالًا فنية يدور محورها الدرامي الأساسي عن ذوي الهمم، ولا تخطيء ذاكرتنا عندما تشير إلى أن معظم هذه الأعمال - رغم قلتها- نجحت في الوصول إلى قلب الجمهور وتفاعل مع شخوصها بشكل كبير، لكنها تركت تأثيرًا كبيرًا على مُجسدي هذه الأدوار، ومنهم الفنانة المصرية حنان ترك التي قدمت شخصية "سارة" في المسلسل الصادر عام 2005 ويحمل الاسم ذاته، وشاركها بطولته الفنان المصري أحمد رزق، وأشادت أقلام نقدية عدة ببراعة الممثلة المصرية في تجسيد دور فتاة تمر بصدمة نفسية تجعلها لا تغادر مرحلة الطفولة وتعيش بعقلية طفلة وجسد امرأة ناضجة.
تأثير المسلسل على حنان ترك دفعها إلى إطلاق مشروع لعمل محتوى فني مخصص للأطفال، بل إن الشخصية الكرتونية "نونة" الرئيسية في مشروعها استوحت ملامحها الرئيسية من شخصية "سارة".
التوحد
ومن الطبيب المعالج لـ "سارة" في مسلسل حنان ترك، إلى دور أحد أصحاب الهمم أو "محسن" الذي يعاني من مرض التوحد في الفيلم المصري "التوربيني" مع الفنان شريف منير، ليُلقى العمل الضوء على المصابين بهذا المرض المعروف علميًا بـ autistic spectrum، وحقق العمل المقتبس من فيلم أمريكي بعنوان Rain man بطولة توم كروز، نجاحًا وقت عرضه.
مشكلات ذوي الهمم
ومنذ نحو 30 عامًا وقفت النجمة المصرية نبيلة عبيد أمام كاميرا المخرج عاطف سالم لتجسد شخصية فتاة مريضة عقليًا تدعى "كريمة"، تعاني من استغلال المجتمع لها جسديًا، إلى جانب تعرضها لسخرية شديدة، ليُسلط الفيلم الضوء على العديد من المشكلات التي يتعرض لها ذوو الهمم.
وتقديرًا لأدائها الاستثنائي في فيلم "توت توت" توجت الممثلة الشهيرة الملقبة بـ"نجمة مصر الأولى" بأكثر من جائزة عن دور "كريمة" منها جائزة مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط.
وسبق "توت توت" فيلم آخر لنبيلة عبيد تناول بشكل غير جدي حياة ذوي الهمم، إذ جسّد فاروق الفيشاوي في فيلم "ديك البرابر" شخصية "خلف تايكون الدخاخني" الطفل الذكر الوحيد لأحد الأثرياء بمنطقة شعبية يعاني من تأخر عقلي، ويسعى والده إلى تزويجه خوفًا من انقطاع نسله.
شخصيات واقعية
يذخر تاريخ السينما العالمية بالعديد من الأعمال الشهيرة والناجحة، دارت قصصها الأساسية حول قصص ناجحة لذوي الهمم حققوا ذاتهم في المجتمع َوتفوقوا على أقرانهم، وبعضها ليس من نسج الخيال بل تستند إلى رحلة كفاح شخصيات واقعية شهيرة، ومنها فيلم The Theory of Everything بطولة إيدي ريدمان، وجسّد فيه شخصية عالم الفيزياء ستيفن هوكينج الذي كان يعاني من مرض العصبون الحركي.
الأمر نفسه نجده في فيلم A Beautiful Mind لراسل كرو الذي يتناول قصة عالم الرياضيات جون ناش الذي يعاني من مرض انفصام الشخصية لكنه أحدث ثورة علمية في مجاله.
فيما قدم توم هانكس واحدًا من أبرز أدواره الملهمة في فيلم Forrest jump مجسدًا شخصية فورست المصاب بتأخر عقلي، لكنه يصدر طاقة إيجابية لجميع من حوله، ويحقق نجاحًا كبيرًا في عمله.
وعلى مدار الشريط السينمائي يعاصر "فورست" العديد من الأحداث التي ترصد لحظات مهمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ليكون شاهدًا عليها، ونال بطل الفيلم توم هانكس جائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره بهذا الفيلم.
ومن أبرز الأدوار التي تزين تاريخ الممثل العالمي آل باتشينو دور الكولونيل المتقاعد فاقد البصر فرانك سيلد برائعته الشهيرة Scent of a Woman، مقدما نموذجًا ملهمًا آخر لشخص يتخطى أزمته، بل يعطي الآخرين دروسًا في الحياة.