الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بسبب غضب الطبيعة.. مليار إنسان مهددون بـ"هجرة القرن"

  • مشاركة :
post-title
الهجرة المناخية

كتبت- مروة الوجيه

مع زيادة مخاطر تغير المناخ، وتوالى الجهود العالمية لخفض الانبعاثات الكربونية، تظهر أزمة جديدة تهدد حياة البشر والبلاد.. "الهجرة البيئية" هذا النوع الجديد من الهجرة الذي يؤدي إلى دمار مدن بأكملها وانهيارها، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، وشهدت هذه الهجرة زيادة في الفترة الأخيرة بسبب التغيرات المناخية وآثارها على المجتمعات وما يتبعها من أزمات غذاء وجفاف مما يؤدي إلى هجرة الشعوب.

ووفق عدد من الدراسات المقدمة في هذا الشأن، فقد أطلق العلماء مصطلح "قرن الهجرة" بسبب ما تشهده الدول من تغيرات مناخية مدمرة للعديد من السكان، وفي دراسة حديثة من "جامعة كاليفورنيا" في سان دييجو، كشفت عن "تأثيرات مهمة وكبيرة لارتفاع الحرارة ارتفاعًا شديدًا على معدلات الهجرة إلى الخارج". ويقدر الباحثان أن كل يوم إضافي في السنة ترتفع فيه الحرارة إلى أعلى من 90 درجة فهرنهايت (32 درجة مئوية) قد يؤدي إلى زيادة تقترب من 1% في معدلات الهجرة، ومن المتوقع أن يتجه نحو 1.5 مليار شخص للهجرة من بلادهم للأبد، لأنها "لن تكون صالحة للحياة" الأمر الذي يدق ناقوس الخطر.. فـ"قرن الهجرة البيئية" يعتبر خطرًا آخر تشهده البشرية بسبب غضب الطبيعة.

هجرة جماعية

"1.5 مليار إنسان سيغادرون بلادهم للأبد؛ لأنها لن تكون صالحة للحياة، وسيهاجرون إلى دول أخرى، خلال 30 عامًا"، هذا السيناريو المأساوي لن يكون سوى بداية لتغيير كبير سوف يشهده العالم جراء الهجرة المناخية، أي الهجرة بسبب تأثيرات التغييرات المناخية، هكذا نقلت وكالة "رويترز" الإخبارية تقرير منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، والذي أوضح أن هذا العدد قابل للزيادة بفعل عوامل التغيرات المناخية.

من جهه أخرى، نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير تم نشره أغسطس الماضي، أوضح أن بعد عام 2050، من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم، موضحة أن عدد المهاجرين على مستوى العالم خلال العقد الماضي قد تضاعف بصورة لافتة، وستصبح مسألة ما يجب فعله حيال الزيادة السريعة في أعداد النازحين أكبر وأكثر إلحاحًا.

وأضافت "الجارديان" خلال الدراسة المنشورة، والتى تم نقلها من كتاب قرن البداوة: "كيفية البقاء على قيد الحياة في المناخ" للباحثة لألين لان، أن "الانهيار المناخي" سيتطلب النظر إلى تغير بعض الثوابت المجتمعية، موضحة أن الهجرة المناخية اليوم تتم بصورة غير مخططة ومتعمدة بطريقة لم تقم بها البشرية من قبل قط، حسب التقرير.

بداية الهجرة المناخية

وفق صحيفة "الجارديان" فان عدد المشردين بسبب المناخ بلغ نحو 50 مليون شخص، يفوق عدد اللاجئين في الدول بسبب الحروب أو الاضطهاد السياسي، فالدمار الهائل الذي يخلفه إعصار بمحو قرى بأكملها، يمكن أن يجعل سكانها لاجئين بين عشية وضحاها.

ومن جهه أخرى، أكد مركز "مراقبة النزوح الداخلي"، ومقره في جنيف، تأثير التغير المناخي على النزوح والهجرة، ففي العام 2018 اضطر 17.2 مليون شخص إلى ترك ديارهم في 148 دولةً وإقليمًا بسبب كوارث بيئية أثرت سلبًا على حياتهم.

وتشير منظمة الهجرة الدولية إلى أن نحو 265 مليون شخص اضطروا لمغادرة منازلهم في الفترة ما بين 2008 و2018 بسبب الكوارث المناخية، فيما يحذر خبراء من أن هذه الأرقام قابلة للزيادة، وسط تزايد مخاطر التغيرات المناخية.

وتؤثر التغيرات البطيئة في البيئة، مثل تحمض المحيطات والتصحر وتآكل السواحل، بشكل مباشر على سبل عيش الناس وقدرتهم على البقاء في أماكنهم الأصلية، ما يدفع دفعًا نحو النزوح الداخلي أو الهجرة الخارجية.

وتقول رئيسة قسم الهجرة والبيئة وتغير المناخ بمنظمة الأمم المتحدة، دينا أيونيسكو، إن هناك احتمالًا قويًا بأن يهاجر عدد أكبر من الناس بحثًا عن فرص أفضل، لأن الأحوال المعيشية تزداد سوءا في أماكنهم الأصلية.

توقعات متشائمة

تبدو تنبؤات الأمم المتحدة للقرن الـ21 بشأن التغيرات المناخية والهجرة متشائمة إلى حد بعيد، وحذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، من أن التغييرات الناجمة عن أزمة المناخ ستؤثر على أنماط الهجرة.

أما البنك الدولي، فقد طرح توقعات للهجرة الداخلية للمناخ تصل إلى 143 مليون شخص بحلول العام 2050، في 3 مناطق بالعالم، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء بشأن المناخ، ومن هذه المناطق القارة الأوروبية.

وأظهرت دراسة نشرتها دورية "ساينس" العلمية الشهيرة عام 2018، أوضحت أن "الصدمات المناخية" التي تحدث سواء بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، تؤدي إلى مضاعفة طلبات اللجوء والهجرة لدول الاتحاد الأوروبي.

وكشفت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة "كولومبيا" الأمريكية، عن أنه من المرجح أن تتراوح الزيادة في طلبات اللجوء لأوروبا بين نسبة 28%، وهو ما يوازي 98 ألف طلب لجوء إضافي، ونسبة 188%، وهو ما يعادل 660 ألف طلب لجوء.

وفي حال وصول طلبات اللجوء سنويًا إلى هذا الرقم، سيكون هذا أسوأ سيناريو يواجه أوروبا، وفقًا للدراسة، أما إذا تحقق السيناريو الأسوأ فسيكون عشرات الملايين من اللاجئين والمهاجرين قد زحفوا نحو أوروبا بحلول عام 2100.

واستغرقت هذه الدراسة 14 عامًا، ومسحت 103 دول؛ لرصد تأثير تغير درجات الحرارة فيها، خاصة في المناطق الزراعية، وأظهرت أن هذا التغير المناخي أدى إلى نزوح المزيد من مواطني تلك الدول إلى الخارج.

موسم حصاد "الهجرة"

يرى علماء المناخ، أن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في العديد من الدول سيجعل السكان العالم يفرون من موجات الحر "المميتة"، في بعض الأحيان، بالإضافة إلى شُح المحاصيل الزراعية التي سيندثر بعضها بفعل الحرارة.

وستشمل الهجرة المناخية أيضًا المتعلمين والطبقة الوسطى والأشخاص الذين لم يعد بإمكانهم العيش في المكان الذي خططوا له، لأنه من المستحيل الحصول على فرص عمل أو معيشة بسبب الانهيار الاقتصادي الذي سيصاحب هذه الظروف الصعبة.

كما سيحتاج عدد كبير من السكان إلى الهجرة، وليس فقط إلى أقرب مدينة، ولكن أيضًا عبر القارات. وسيحتاج أولئك الذين يعيشون في مناطق ذات ظروف أفضل، وخاصة الدول الواقعة في خطوط العرض الشمالية، إلى استيعاب ملايين المهاجرين، بينما يتكيفون مع متطلبات أزمة المناخ.

وربما سيتجه بعض السكان إلى العيش بالقرب من القطبين الأكثر برودة للكوكب، على الأرض التي سرعان ما أصبحت خالية من الجليد هي أيضًا، بسبب الاحتباس الحراري.

بلاد خالية من السكان

هناك بلدان يتوقع أن تتضرر أكثر من غيرها، فمن المتوقع أن تصبح بنجلاديش، البلد الذي يعيش فيه ثلث السكان على طول ساحل منخفض غارق، غير صالحة للسكن. (من المتوقع أن يكون أكثر من 13 مليون بنجلاديشي – ما يقرب من 10% من السكان – قد غادروا البلاد بحلول عام 2050، وذلك وفق دراسة نُشرت في دورية Science Advancesالعلمية الأمريكية).

كما أشارت الدراسة إلى أن دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وخاصة في الخليج العربي، قد تصبح غير صالحة لسكنى البشر إذا استمرت هذه الارتفاعات الحالية في درجات الحرارة.

وتشير البيانات إلى أن البصرة، ثاني أكبر مدن العراق، قد تتعرض للغرق جزئياً نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزوح الآلاف من منازلهم.

ومع نهاية القرن ستصل معدلات درجات الحرارة في متوسطها إلى مستويات لا يطيقها معظم الناس، فوفق الدراسة فان دول مثل الإمارات العربية والكويت ستتعدى درجات الحرارة فيها الى أكثر من 60 مئوية لتسجل أعلى الأرقام القياسية عالمياً، حسب بحث علمي منشور عام 2015 في مجلة الطبيعة والتغير المناخي Nature Climate Change الدورية، أعده الباحثان القائمان على الدراسة، جيريمي بال من جامعة لويولا ميريماونت بلوس أنجلوس، والفاتح الطاهر من معهد ماساتشوتس للتقنية MIT.

وبينما لدى مدن غنية كـ"دبي" موارد كافية للتأقلم مع الظروف القاسية، في حين أن الوضع سيكون بالغ الخطورة والجدية في مدنٍ مزقتها الحرب وأكلها الفقر مثل اليمن وغيرها من الدول.