الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بسبب فلسطين.. ثقوب جديدة في التحالف اليساري الغربي

  • مشاركة :
post-title
التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية في أوروبا

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

أدى الصراع القائم بين إسرائيل وفصائل المقاومة في قطاع غزة إلى خلق صدع عميق بين التكتلات اليسارية في الغرب، إذ أعرب الساسة في الغرب عن دهشتهم، بعد عملية طوفان الأقصى، 7 أكتوبر الماضي، وأعلنوا دعمهم لإسرائيل، إلا إنهم مع استمرار الصراع في غزة وسقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الإجماع السياسي اليساري حول دعم تل أبيب في التصدع.

وفي الولايات المتحدة، يتعرض جو بايدن للضغوط من قبل الناخبين المسلمين، الذين يرون دعمه لإسرائيل خيانة، وفي المملكة المتحدة، يواجه كير ستارمر، المُرشح لخلافة رئاسة حزب العمال، أكبر اختبار له حتى الآن بسبب الخلافات المريرة داخل حزبه، كما يحاول رئيس الوزراء الإسباني المؤقت بيدرو سانشيز، التمسك بالسلطة من خلال تشكيل تحالف توجه يساري، وموازنة بين دعم تل أبيب والتنديد بالعداون الإسرائيلي على قطاع غزة.

قالت إلهام فخرو من معهد شاثام هاوس لمجلة بوليتيكو: "ما نراه اليوم يشبه تعبئة ضد حرب العراق عام 2003، والخلافات بين مشاعر الشعب وسياسات صناع القرار في اليسار، كلفتهم الانتخابات لسنوات، وعلى قادة اليسار فهم الموقف الحالي وقوة المشاعر المناهضة للحرب على أرض الواقع، والتصرف على هذا الأساس".

الصورة تختلف من بلد إلى آخر، لكن حرب إسرائيل وفصائل المقاومة قلبت السياسة بشكل أعمق في الغرب أكثر من الشرق الأوسط. مع اقتراب انتخابات رئيسية في العديد من البلدان الغربية، قد تكون تكلفة هذا التقسيم خطيرة بالنسبة للأحزاب اليسارية.

المملكة المتحدة

مع استطلاعات الرأي التي تظهر تقدم حزب العمال 18 نقطة، كان الحزب يبدو مُتيقنًا من الفوز بالانتخابات العامة في عام 2024، إلا إن أزمة الشرق الأوسط خلقت أحد أكبر التحديات التي واجهها زعيم الحزب كير ستارمر حتى الآن، إذ إن حزبه مُنقسم حول ما إذا كان يجب طلب وقف إطلاق النار في غزة أو لا، ثُلث أعضاء البرلمان عن حزب العمال وبعض أبرز قادته - بمن فيهم قائد حزب العمال الإسكتلندي أناس سروار وعمدة لندن صادق خان وعمدة مانشستر الكبرى أندي بيرنهام - يطالبون الآن علنًا بوقف إطلاق النار.

ورفض ستارمر، الذي عمل بجد للتخلص من سمعة حزبه المعادية للسامية، هذه الخطوة حتى الآن، وألقى خطابًا أشار فيه إلى أن وقف إطلاق النار الآن سيعزز فقط قدرة فصائل المقاومة على شن هجوم مميت مُستقبلًا على إسرائيل، إلا إن العديد من نوابه لم يقتنعوا.

ويخشى العديد من السياسيين والمسؤولين الراغبين في رؤية موقف ستارمر أكثر دعمًا للفلسطينيين من التأثير الانتخابي لسياسته الحالية، إذ أشار أحد مسؤولو حزب العمل، لمجلة بوليتيكو، إلى أن حزب العمل "يفقد أصوات المسلمين بشكل كبير بما فيه الكفاية لفقدان مقاعد إذا جرت انتخابات غدًا".

الولايات المتحدة

خلال الشهر الماضي، عانى اليسار الأمريكية شقاقًا مدويًا بشأن حرب إسرائيل وفصائل المقاومة، على الرغم من أن الأمريكيين تاريخيًا كان غالبية واسعة من الناخبين تؤيد إسرائيل، إلا إن هذا الدعم العام انخفض على مدار السنوات الأخيرة.

وفقًا لاستطلاع جالوب الذي أُجري قبل بدء الحرب، انحرف الدعم الأمريكي لأول مرة نحو الفلسطينيين عن الإسرائيليين. الشباب، الذين يتبنون معظمهم توجهات للحزب الديمقراطي، هم من يقودون هذا الاتجاه.

اليهود الأمريكيون، الذين يعتبر معظمهم أنهم ديمقراطيون، أصبحوا أكثر شكوكًا فيما يتعلق بسياسات إسرائيل على مر السنين، إذ أظهر استطلاع مركز بيو، قبل التوترات أن اليهود من جيل الألفية كانوا الأقل احتمالًا لإعطاء تقييم إيجابي لقيادة نتنياهو.

والمسلمون الأمريكيون، الذين أظهرت استطلاعات التصويت أنهم مالوا لبايدن في عام 2020، يهددون الآن بالبقاء في المنزل بانتخابات 2024، بسبب الدعم المبكر للإدارة لإسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى.

إسبانيا

اندلعت الحرب في لحظة حساسة للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي المؤقت بيدرو سانتشيز، إذ إنه بعد انتخابات غير حاسمة، يحاول الآن تشكيل حكومة ائتلافية جديدة تضم وزراء من حزبه والتحالف اليساري سومار، إلا إنه يبدو أن الحكومة الجديدة منقسمة بشأن النهج الصحيح للتوترات في قطاع غزة.

وتحالف سومار يرفض أيضًا تصنيف فصائل المقاومة على أنها منظمة إرهابية. بل إن المتحدث باسم التحالف، إرنست أورتاسون، يجادل بأن إسرائيل مسؤولة عن العنف لأنه ناشئ عن "الاحتلال غير المشروع" للأراضي الفلسطينية. انتقد أورتاسون حكومة نتنياهو باعتبارها "متطرفة" وانتقد أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، لأنها تتجاهل "جرائم الحرب والفظائع التي ترتكبها إسرائيل".

على الرغم من أن سومار أراد الاعتراف بحق بفلسطين "بشكل فوري وغير مشروط" في اتفاق الحكومة، إلا إن الاشتراكيين رفضوا ذلك الاقتراح، ما جعل الحكومة الجديدة بقيادة سانشيز تواجه بداية صعبة بسبب هذه القضية على الأقل.

ألمانيا

كان اليسار يناضل منذ عقود حول الصراع العربي الإسرائيلي في ألمانيا، منذ بدأ طلاب الجامعات ارتداء الكوفيات رمزًا للتضامن مع الفلسطينيين عام 1967.

وبالفعل أيدت جميع أحزاب اليسار الألمانية، التي تضم أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر الحاكمين والحزب اليساري، قرارًا برلمانيا في 10 أكتوبر الماضي، أعرب عن تضامنه مع إسرائيل ودان فصائل المقاومة.

وقال المستشار أولاف شولتس للنواب بعد الهجمات: "إن مكان ألمانيا يكمن إلى جانب إسرائيل".

ويمتد جذور هذا التضامن إلى الشعور العميق بالمسؤولية الذي يشعر بها أغلب الألمان تجاه إسرائيل في أعقاب المحرقة. ومع ذلك، فإن الدعم الألماني ليس مطلقًا، كما يتضح من قرار برلين الأسبوع الماضي، بالامتناع عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة بدلًا من رفضه، كما طلبت إسرائيل.

إيطاليا

توجد اختلافات كبيرة في وجهات نظر الأحزاب السياسية في إيطاليا بشأن النهج الخارجي، إذ تشتد الخلافات بين أحزاب السيار الوسطي واليسار المتطرف فيما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط، وتحديدًا فيما يتعلق بفصائل المقاومة. وتؤيد الأحزاب اليسارية المتطرفة دائمًا حركات الاحتجاج العالمية بما في ذلك قضية الفلسطينيين ويكافح الديمقراطيون من يسار الوسط لتبني موقف موحد ومتوازن تجاه القضية الفلسطينية.

وأشارت إيلي شلاين، زعيمة الحزب الديمقراطي للبرلمان الإيطالي، الأسبوع الماضي، إلى أنه يجب عزل فصائل المقاومة، لكنها حذرت من أن "الضحايا الفلسطينيين لا يستهان بهم، فهناك خط بين العدالة والثأر لا ينبغي تجاوزه أبدًا".

لكن حزبها يضم أيضًا شخصيات وسطية داعمة للسياسات الأمريكية.

وأدت الانقسامات في اليسار الإيطالي بشأن أوكرانيا إلى سقوط حكومة ماريو دراجي، ما أدى لخسارة اليسار في الانتخابات الأخيرة. وقد أدى وصول شلاين إلى إحياء الآمال في وجود يسار موحد، لكن هذه الانقسامات في الشرق الأوسط تهدد بجعل تحدي اليسار للحكومة اليمينية في إيطاليا أكثر صعوبة.

فرنسا

تواجه فرنسا تحديات مماثلة فيما يتعلق بالنهج تجاه الأزمة في غزة، إذ تخشى الحكومة الفرنسية من تصاعد العنف داخل البلاد نتيجة للصراع في الشرق الأوسط، وتعمل جاهدة على الحفاظ على موقف متوازن بين دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها واحترام حقوق المدنيين، وفقًا لما تشير إليه "بوليتيكو". 

وعلى الرغم من أن هذا الموقف لاقى تأييدًا جيدًا في استطلاعات الرأي، إلا إنه لم يحظ بدعم موحد من قبل أعضاء حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الاشتراكي، إذ دعوا بعضهم إلى دعم إسرائيل بدعم غير مشروط. 

وعلى الجانب الآخر، يواصل جان لوك ميلانشون، زعيم اليسار الفرنسي، عدم التصريح بأن فصائل المقاومة هي منظمة إرهابية، ما أدى إلى نشوء نقاشات عنيفة وإعادة فتح ملفات تتعلق بالعداء للسامية. ويتبع حلفاء ميلانشون من الأحزاب الاشتراكية والشيوعية والبيئية في البرلمان، إذ انقسموا حول موقف ميلانشون.