لا تخفى جرائم الاحتلال الإسرائيلي على أحد، إلا من أراد أن يغض الطرف عنها، ووسط تلك الجرائم تعالت أصوات تطالب المحكمة الجنائية الدولية، وهي الكيان الدولي الوحيد المُكلف بالفعل بتحقيق العدالة غير المتحيزة، بالتحقيق في تلك الجرائم، وأبرزها استهداف المدنيين والمستشفيات والمدارس، ودور العبادة.
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قال إن إسرائيل عليها مسؤولية في حربها على حماس، وليست مسؤولية أخلاقية فقط، وإنما قانونية، عليها احترام قوانين الاشتباك، لا بد من احترام القوانين، ويجب أن يتحملوا مسؤولية تصرفاتهم، يجب أن نكون واضحين، بشأن المدارس والمستشفيات والكنائس والمساجد والمجمعات السكنية، هي أماكن محمية، وفق القانون الدولي، وذلك في مؤتمر صحفي نقلته "القاهرة الإخبارية".
وقال "خان"، في تصريحاته، إن غزة تشهد جرائم تشبه معاناة أوكرانيا وأفغانستان وميانمار، مُؤكدًا أنه لأكثر من عامين تقوم المحكمة بالعمل في القضية الفلسطينية، كما أنها تحاول أن تصل لحلول على قدر الإمكان.
وكشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، خلال المؤتمر أن المحكمة ستجري تحقيقًا حول أي جرائم تم ارتكابها داخل الأراضي الفلسطينية، مُعربًا عن قلقه بشأن عدوان المستوطنين الإسرائيليين على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأكد "خان"، أن أي شخص يستهدف البنية التحتية المدنية في الصراع بين إسرائيل وغزة، سيحتاج إلى "تبرير كل ضربة"، مضيفًا أنه لا ينبغي أن يكون هناك شك في أن كل صانع قرار من رئيس الحكومة، إلى المستشارين العسكريين، وكل من لديهم قرارات على تحديد الأهداف، أن يكونوا على علم واضح بأنهم يجب أن يكون لديهم "سبب" لكل ضربة ضد كل هدف مدني.
وأكد خان أن القتل العمد واحتجاز الرهائن يُعد انتهاكًا كبيرًا لاتفاقيات جنيف، في جميع الظروف، مشددًا على ضرورة حماية المدنيين، موضحًا أن الأهداف المدنية مطلوب حمايتها ما لم تصبح "أهدافًا عسكرية"، وهو أمر معقد سيتطلب تحليلًا ومعلومات.
وأوضح أن من يتخذ قرار ضرب تلك الأهداف المدنية، عليه أن يثبت أنها "عسكرية"، مضيفًا: "لا يمكنك افتراض ذلك، وعبء الإثبات على عاتق الذي أطلق النار، أو استهدف تلك الأماكن"، بحسب "سي إن إن".
تحذير من حرمان المدنيين من المساعدات
وحذّر المدعي العام للجنائية الدولية، من حرمان المدنيين من المساعدات الإنسانية، قائلًا إن ذلك "جريمة"، وفقًا لـ"سي إن إن"، مُؤكدًا أن هذه المسألة تحتاج إلى دراسة عاجلة من جانب إسرائيل، للتأكد من وصول الغذاء والدواء إلى الأطفال والنساء، وأن افتقار الأطفال للرعاية الطبية يعني عواقب وخيمة.
هل يمكن إدانة قادة الاحتلال؟
ليست كل الدول أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وإسرائيل ليست عضوًا، لكن فلسطين عضو، ويحقق المدعي العام للجنائية الدولية في الجرائم الخطيرة هناك منذ 2021.
وفي 10 أكتوبر، أشارت لجنة التحقيق الدولية المستقلة، المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وإسرائيل، إلى أنها وجدت أدلة واضحة على جرائم حرب في إسرائيل وغزة، وقالت إنها ستتقاسم هذه المعلومات مع المحكمة الجنائية الدولية.
وقياسًا على إدانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يمكن للجنائية الدولية إدانة قادة الاحتلال، فكما أن إسرائيل ليست عضوًا، روسيا كذلك ليست عضوًا، لكن مؤسسات حقوقية أشارت إلى تناقض واضح في الاستجابة بشكل صارخ، بين الاستجابة في أوكرانيا، وهي ليست عضوًا في الجنائية الدولية، بعد العملية العسكرية الروسية، إذ تحدث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، عن الدور الحاسم للمحكمة، وعندها طلب منه عدد غير مسبوق من الدول الأعضاء فتح تحقيق في أوكرانيا، ومعظمها دول أوروبية، بينها الولايات المتحدة، ورغم أنها ليست عضوًا في الجنائية الدولية، أعربت عن دعمها لدور المحكمة في أوكرانيا.
وأصدرت المحكمة مذكرة بالفعل، بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي تصريح سابق، قال "خان"، عندما سئل عمّا إذا كان بوتين سيعتقل إذا وطأت قدماه أيًا من الدول البالغ عددها 123 دولة، فقال "هذا صحيح"، ولعل أبرز مثال على ذلك عندما خشي بوتين السفر إلى جنوب إفريقيا لحضور قمة بريكس، بسبب احتمالية اعتقاله، بناءً على مذكرة الجنائية الدولية.
وقالت منظمات حقوقية، إن هناك جرائم مروعة، ذات عواقب مدمرة ترتكب بحق المدنيين في الصراع الدائر بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، مُشيرة إلى أن "الإفلات من العقاب"، على الانتهاكات الماضية، ساهم في انتهاكات جديدة، لا يبدو أنها ستتوقف، في ظل الصمت الكبير بخصوص دور المحكمة الجنائية الدولية.
وقالت المنظمات، إن ازدواجية المعايير في وصول الجناة إلى المساءلة أمر غير مقبول، وتساءلت هل تستغل الدول تلك اللحظة لرفع أصواتها لصالح العدالة.
وأكدت المنظمات الحقوقية، أنه ليس هناك مبرر لارتكاب السُلطات الإسرائيلية لجرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، مؤكدة أن العقاب الجماعي للفلسطينيين يُعد جريمة حرب.