يترقب العالم جنوبي أوكرانيا بعيون جامدة، حيث القصف المتكرر على محطة زابوريجيا الأكبر للطاقة النووية في أوروبا، والذي أحدث، في أخطر ضرباته، أضرارًا خلفت تسربًا غير إشعاعي بمحيط المفاعل، وتروج بعض التقارير لسيناريو، هو الأسوأ، في زابوريجيا.. فما هي حقيقة المخاطر المُحدّقة بأوروبا؟ ومتى يقلق العالم؟
أمتار من الكارثة النووية
شهد محيط زابوريجيا قصفًا مكثفًا، مطلع الأسبوع الماضي، وصف بالأخطر ضمن سلسلة عمليات قصف استهدفت محيط المحطة على مدار شهرين ماضيين، حيث سقط بعضه قرب مفاعلات المحطة، مخلّفًا أضرارًا بمبنى لتخزين النفايات المشعة، وحذر رافاييل ماريانو جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال محادثات أجراها مع الجانبين الروسي والأوكراني، مؤخرًا، بهدف إقامة منطقة أمنية في محيط المحطة، من أن القصف الأخير "قريب إلى حد خطير من أنظمة نووية رئيسية للسلامة والأمن في المحطة"، موضحًا "نتحدث عن أمتار، لا كيلومترات".
وتتبادل كل من موسكو وكييف الاتهامات بشكل متكرر بشأن القصف المستمر لنحو شهرين، على محطة زابوريجيا، بينما تسيطر القوات الروسية على المحطة النووية بعد فترة وجيزة من عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي بدأت 24 فبراير الماضي.
مكمن الخطر الحقيقي
قال الدكتور ماهر عزيز، عضو مجلس الطاقة العالمي، والخبير بأمن الطاقة، في تصريحات خاصة، لـ" القاهرة الإخبارية"، إن ما حدث لا ينذر بكارثة نووية حقيقية، إذ أن مكمن الخطر في المحطة والمتمثل في الحاوية الخرسانية للوقود النووي، تتمتع بدرجة عالية جدًا من الأمان في رأيه، وقد لا تكون نسبة الخطر كبيرة ربما بنسبة واحد من عشرة بالمائة.
تأمين حاوية المفاعل الخرسانية
تتمتع الحاوية الخرسانية ببناء متين يبلغ سمكه 1.75 متر، من الخرسانة المسلحة المقاومة للزلازل، وأوضح "عزيز" أن محطة زابوريجيا المتألفة من 6 مفاعلات، حديثة البناء نسبيًا، إذ بنيت في الثمانينيات وصممها مهندسو الاتحاد السوفيتي وقتها، لتتمتع بأحدث تكنولوجيا توصل إليها.
وتتميز "زابوريجيا" بنظام المعلومات والقياس "Kiltze" ويهدف إلى المراقبة المستمرة للإشعاع في الموقع الصناعي لمحطة الطاقة النووية، وحماية الصرف الصحي ومناطق التحكم في الإشعاع بطول 30 كيلومترًا، وذلك وفق بيانات وكالة الطاقة الذرية.
وأضاف "عزيز": الحاوية الخرسانية للوقود النووي هي مصدر الإشعاع وفي حال وقع انفجار نتيجة قصف أو أي شيء آخر تخرج الإشعاعات من هذه النقطة بشكل رئيسي، وبالتالي نظام الأمان الخاص بها عالٍ جدًا، واحتمال واحد في المليون أن يتسرب إشعاع في حال تعرضت للقصف.
أخطار ثانوية
أكد خبير الطاقة أن أي خطر أو انهيار لأي مكونات أخرى في المحطة لا يشكل خطرًا على مستوى الكارثة النووية، ورغم ذلك أشار إلى حالتين أخريين تفرض الخطر الإشعاعي لكنها لا تقارن بالخطر المتعارف عليه بشأن المفاعلات النووية، مضيفا: "بخلاف المفاعل النووي، يمكن أن يعتبر أي تسرب أو أعطال في دورة المياه أو مخازن الوقود النووي بمثابة خطر إشعاعي، ولكن يسهل السيطرة عليه لأنه خطر داخلي في المحطة لا يتسرب للخارج".
تسرب زابوريجيا غير المشع وارد
قال عضو مجلس الطاقة العالمي، قد يكون التسرب غير المشع الذي شهدته زابوريجيا، قبل أسبوع، نتيجة قصف سقط بالقرب من مفاعلات المحطة، وأعطب حاويات حفظ المكثفات، خالفًا تسربًا غير مشع، لا يدعو للقلق، إلا في محيطه، مؤكدًا أن التسربات غير الإشعاعية، واردة، ويمكن السيطرة عليها من خلال الإحلال والتجديد.
وتابع "عزيز": "التسربات غير الإشعاعية واردة جدًا في خزانات الوقود الخاصة بالمولدات الاحتياطية للكهرباء في المحطة، وبالتالي فإن إصابتها خلال القصف، قد ينتج عنه تسريب غير إشعاعي، وهناك أيضا أضرار قد تحدث لدورة مياه غير إشعاعية في المحطة لكن غير مرتبطة بالمفاعل، ولو تعرضت لقصف أو ضرر من أي نوع يحصل تسربات غير إشعاعية، وكذلك الحال بالنسبة لخزانات الزيوت الخاصة ببعض الآلات".
إيقاف المفاعلات يحد من "الإشعاع الكبير"
تشمل محطة زابوريجيا على 6 وحدات لتوليد الطاقة، تم تشغيل أربعة منها في الفترة من 1984 إلى 1987 ، ثم بدأت الوحدة الخامسة في العمل خلال عام 1989 والوحدة السادسة في عام 1995، وحاليًا تم وقف العمل بأربعة مفاعلات، ما دفع أكاديميين بعلوم الهندسة النووية إلى القول إن خطر وقوع حادث إشعاعي كبير، يعد ضئيلا، نظرًا لأن اثنين فقط من بين 6 مفاعلات يعملان الآن في زابوريجيا، بعد أن تم وضع الأربعة الأخرى في حالة "إيقاف بارد"، وهو أمر يستدعي طاقة أقل لتبريد المفاعلات.
هل المنطقة العربية في مأمن من تسرب الإشعاع المحتمل في زابوريجيا؟
تقاس نسبة الإشعاع النووي التي يمكن أن يكون الإنسان أو المياه أو الطعام قد تعرض لها بوحدة سيفرت Sievert، وهي وحدة قياس مدى الإصابة بالإشعاع النووي لأي جسم أو مادة، ويعتبر المكتب الاتحادي للحماية من الإشعاع في ألمانيا، أن تعريض الجسيم إلى 400 ميليسيفرت يؤدي إلى الموت المحتم، فيما يتعرض البشر إلى 1 .2 ميليسيفرت من الطبيعة في السنة.
من جانبه، قال خبير الطاقة، إنه في حال بات أمر الكارثة النووية واقعًا، بأن يكون مدى انتشار الإشعاع وقت التسرب ضخمًا لن يصل إلى مناطق بعيدة من العالم مثل المنطقة العربية، مضيفًا أن انتشار الإشعاع، سيقتصر على مساحة صغيرة نسبيا من محيط التسرب، تبعد عن المنطقة العربية.