"من سجن كبير مفتوح، إلى مقبرة للسكان المحاصرين"، هكذا وصف فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ما يحدث في قطاع غزة، في ظل قصف الاحتلال الإسرائيلي كل شبر في المدينة.
وانتقد "لازاريني"، تحذيرات جيش الاحتلال، التي دعا فيها الفلسطينيين في شمال غزة للانتقال جنوبًأ، في وقت استمر فيه في استهداف الجنوب أيضًا، مضيفًا "لا يوجد مكان آمن في غزة"، بحسب الجارديان.
تساءل المسؤول الأممي في رسالته، عمّا إذا كان لدى العالم الشجاعة للتصرف بشكل حاسم لوقت ما وصفه بـ"الجحيم على الأرض".
كيف تحولت غزة من سجن مفتوح إلى مقبرة جماعية؟
في السابع من أكتوبر، شنّت المقاومة الفلسطينية هجومًا أطلقت عليه "طوفان الأقصى"، أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي، ليرد بعدها الاحتلال بما أسماه "السيوف الحديدية"، أسفرت عن استشهاد 7415 شخصًا وإصابة نحو 20 ألفًا آخرين، حتى اليوم الـ21 من الحرب.
بكثرة عدد الشهداء والمصابين، مع وضع كارثي للمستشفيات التي تعاني من قلة الإمدادات والمعدات، حتى أنها لم تسلم من القصف المتواصل، تحولت غزة إلى "مقبرة جماعية"، إذ قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، إن كل رقعة في غزة باتت مرشحة لتكون مقبرة جماعية.
وأقامت وزارة الصحة الفلسطينية 5 مقابر جماعية في القطاع، لكنها لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من الشهداء، بحسب "بصل".
تكدس جثث الشهداء
إبراهم لحام، واحد من أهالي غزة فقد 17 فردًا من عائلته، في غارة للاحتلال الإسرائيلي، جسّد المعاناة التي يعيشها أهالي غزة، إذ اضطر إلى تكديس 17 شهيدًا في شاحنة صغيرة، حتى يتوجه بهم لدفنهم على "عجل"، في إحدى المقابر الجماعية، دون حتى "جنازات لائقة"، بحسب تصريحاته لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
كشف إبراهيم أنه لم يتمكن هو وجيرانه حتى من إقامة صلاة الجنازة على أرواح الضحايا، إذ صلى عليهم عدد قليل عند مشرحة مستشفى ناصر، قبل نقلهم للمقبرة.
أعداد الشهداء المتزايدة في ظل القصف، دعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، إلى الدعوة لسرعة دفن الشهداء، وأذنت بدفنهم في مقابر جماعية، بسبب قلة المساحة المتاحة للدفن، بحسب بيان صادر عنها.
الأسماء على الأجساد
مع تزايد القصف لجأ الكثير من أهالي غزة، لكتابة أسماء أطفالهم على الأذرع والأرجل حتى يمكن التعرف عليهم حال موتهم جراء الغارات الجوية.
ولا تعد فكرة المقابر الجماعية المأساة الوحيدة التي يعيشها أهالي غزة، فحتى الأحياء لا يملكون الوقت للحزن على فقدان أحبائهم، في ظل استمرار القصف، وبدء الاجتياح البري.
قطع الاتصالات والكهرباء
مع استمرار التصعيد غير المسبوق، قطع الاحتلال الإسرائيلي الاتصالات بالكامل عن قطاع غزة، وقالت منظمات حقوقية إن ذلك يهدد بإخفاء فظائع ومجازر جماعية، وذلك في وقت قال فيه جيش الاحتلال إنه لا يستطيع ضمان سلامة الصحفيين في القطاع.
مع قطع الاتصالات والكهرباء، وفي ظل نفاد الوقود، أصبح سكان غزة في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الذي لا يأبه بقتل المدنيين، في عزلة عن العالم.
القطاع الصحي
في معركة "الحياة والموت"، يعيش القطاع الصحي في غزة مأساة لا توصف، إذ يواجه العاملون في القطاع الصحي، صعوبات تتمثل في نقص الوقود والإمدادات الصحية اللازمة لإنقاذ الأرواح، إلى جانب تهديدات الاحتلال بالإخلاء، في وقت يستقبلون فيه جثث ذويهم.
كارثة غير مسبوقة
بحسب مسؤولين في وزارة الصحة الفلسطينية، تواجه غزة كارثة وبائية غير مسبوقة، في ظل شح الماء والغذاء والدواء، وأعلن المتحدث باسم الوزارة في غزة أشرف القدرة، أن الطواقم الطبية لم تعد قادرة على تقديم أي خدمة صحية لجرحى القصف.
وقال القدرة، إن الوضع ينذر بتحول أماكن العلاج إلى مقابر جماعية للمرضى، حال عدم توافر إمدادات فورية كافية، مشيرًا إلى أن إسرائيل شكلت مثلث الموت داخل القطاع، بعد أن عزلت القطاع عن محيطه ومنعت دخول المقومات الأساسية للحياة، ثم قطع الإمدادات عن المستشفيات والمياه، وأخيرًا الاتصالات.
وضع غير إنساني
منظمة الصحة قالت إنها فقدت الاتصال مع طواقمها، ومع المرافق الصحية والعاملين في القطاع، وفي منشور لمدير عام المظمة تيدروس أدهانوم على "إكس"، قال إن الحصار يجعله يشعر بالقلق البالغ على المرضى الضعفاء.
وفي تصريح سابق، حذرت المنظمة من أن الوضع في غزة سيصل إلى مرحلة "الكارثة"، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، لإيصال الإمدادات الصحية والوقود لجميع أنحاء القطاع.
تحلل الجثث
مع استمرار القصف ونقص الإمكانيات، حذر مستشار وزير الصحة الفلسطينية، فتحي أبو وردة، من أن هناك أكثر من 1500 شخص لا يزالون تحت الأنقاض، محذراً من أن تعفن وتحلل الجثث سيؤدي لكارثة وبائية خطيرة.
وقال "أبو وردة" أن تزايد أعداد الجرحى وقلة الإمدادات، يجبر الأطباء على إعطاء أولولية لاستقبال وعلاج من يتوقعون أن تكون نسبة نجاته أكبر، مطالبًا بفتح ممر آمن لإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى، والدفع بالمزيد من الكوادر الطبية من دول العالم إلى غزة، بعد إنهاك الكادر الصحي بالقطاع، وفي ظل عمل كل المستشفيات فوق طاقتها الاستيعابية.