أكد مجلس النواب المصري أن القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي، بشأن حالة حقوق الإنسان بمصر، جاء مبنيًا على حزمة من المُغالطات والادعاءات الباطلة التي لا تمت للواقع بصلة، وأنه لا يعكس إلا نظرة متحيزة غير موضوعية، إزاء حقيقة الأوضاع في مصر.
وأعرب مجلس النواب المصري عن رفضه واستيائه الكامل من هذا القرار، الذي جاء مُخيبًا للآمال، ومدللًا على إصرار البرلمان الأوروبي -غير المُبرر- في استمرار نهجه الاستعلائي والوصائي تجاه مصر، إذ نصَّب نفسه -استنادًا إلى وقائع كاذبة- حكمًا وقيّمًا على تطورات الأحداث في الدولة المصرية؛ ما يُعدُّ تدخلًا صارخًا في الشؤون الداخلية لدولة تتمتع بالسيادة، بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن تجاوزه أو غض الطرف عنه؛ فهو أمر مرفوض جملةً وتفصيلًا.
وقال مجلس النواب المصري في بيان: "بالرغم من أن مجلس النواب لديه القدرة الكاملة والحقيقية، في الرد على كل ما ورد بالقرار المشار إليه، الذي لا يتسم جميعه -أبدًا- بالمصداقية أو الحيادية، وانتهاجه سياسة الوصم والتشهير غير البناءة والمرفوضة التي ثبت فشلها عبر التاريخ، إضافة إلى صدوره دون استجلاء رأي البرلمان المصري -وهو حق كامل له- فيما ورد به من ادعاءات لا أساس لها من الصحة، التي لا تستوجب الالتفات لها؛ فهي محض أحاديث مُرسَلة تستند إلى معلومات غير دقيقة، تعبّر فقط عن توجُّه سياسي غير محمود، فإن ضمير مجلس النواب المصري يستوجب الإشارة إلى بعض ما ورد بالقرار؛ لأن فيه إجلاءً للحقيقة وبيانًا للأمر".
وأضاف المجلس: "ورد بالقرار أن حالة الطوارئ مطبقة في مصر منذ عام 2017 حتى الآن؛ والحقيقة أن حالة الطوارئ تم إيقاف العمل بها في أكتوبر 2021، ولم يتم تجديدها منذ ذلك الحين".
وأشار البيان إلى أنه من جانب آخر، تناول القرار تنفيذ مصر عقوبة الإعدام بحق الأطفال؛ والحقيقة أن هذا أمر يجافي الواقع ولا يمكن تصديقه، فالتشريع المصري بموجب قانون الطفل يحظر حظرًا مطلقًا توقيع عقوبات "الإعدام، والسجن المؤبد، والسجن المشدد" على الأطفال.
وقال المجلس:" كما ورد بالقرار أن المدعو علاء أحمد سيف الإسلام عبد الفتاح، تم اعتقاله تعسفيًا بتهم لا أساس لها، ولا يُسمح بزيارته إلا بشكل متقطع وإثر ضغوط دولية؛ والحقيقة أن المذكور ليس معتقلًا تعسفيًا، وإنما هو محكوم عليه من السلطة القضائية بالحبس خمس سنوات لثبوت ارتكابه جريمة جنائية، وذلك في القضية رقم (1228) لسنة 2021، حيث تمت محاكمته في محاكمة عادلة كفلت له حق الدفاع، وغيرها من ضمانات التقاضي، فضلًا عن السماح له بلقاء عائلته وذويه بشكل منتظم".
وأضاف البيان: "أشار القرار إلى أنه قد تم تعذيب المدعو أيمن هدهود حتى الموت، الذي توفي في 5/3/2022، ولم يتم إجراء أي تشريح مستقل للجثة أو إجراء تحقيق موثوق به من النيابة العامة المصرية؛ والحقيقة أن النيابة العامة المصرية، بوصفها جزءًا من السلطة القضائية، حققت الواقعة وأصدرت بيانًا واضحًا بشأنها أشارت فيه إلى انتفاء الشبهة الجنائية في وفاة المذكور، وأنها أجرت الصفة التشريحية على جثمانه بمعرفة مصلحة الطب الشرعي، التي أشارت إلى أن سبب الوفاة هي حالة مرضية مزمنة بالقلب، وخلو جسده من أي آثار إصابة تشير إلى استخدام العنف".
ولفت البيان إلى أن القرار تضمن حثّ السلطات المصرية للإفراج الفوري عن مجموعة من المواطنين، مشيرًا إلى أنه تم اعتقالهم ظلمًا؛ والحقيقة أن هؤلاء المواطنين إما مقيدو الحرية تنفيذًا لأحكام قضائية صدرت من المحاكم المصرية في محاكمات منصفة، أو محبوسين احتياطيًا على ذمة تحقيقات تجريها جهات التحقيق، وذلك كله وفق قوانين إجرائية جنائية متعارف عليها دوليًا.
وأكد مجلس النواب المصري أنه تلاحظ له مساس القرار بشكل سافر باستقلال النيابة العامة والقضاء المصري، ما يُعد إخلالًا بضمانات استقلال القضاء، وفق المواثيق الدولية؛ لذلك يندد المجلس بأشد العبارات محاولة المساس بالسلطة القضائية المصرية، تلك السلطة التي لطالما رفضت على مدار تاريخها أي تدخل في شئونها سواء من جهات داخلية أو خارجية.
استطرد بيان البرلمان المصري: "تلاحظ لنا عدم إحاطة البرلمان الأوروبي بمستجدات الأوضاع في مصر أو تغافله المقصود لها، لأسباب غير مفهومة، فمن المعلوم أن الدولة المصرية أصدرت استراتيجية وطنية واعدة لحقوق الإنسان، تقوم على تطبيقها جميع مؤسسات وسلطات الدولة بعناية كاملة، ورصدت الدولة لها جميع الإمكانيات اللازمة لوضعها موضع التنفيذ، فضلًا عن أن الدولة المصرية ملتزمة بتعهداتها تجاه الاتفاقيات والمواثيق الدولية فيما يخص ملف حقوق الإنسان؛ الأمر الذي يجعل سلطات الدولة ملتزمة بتطبيق المواد المصدق عليها في العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية".
كما تلاحظ لمجلس النواب المصري من قراءته للقرار أنه أغفل عن عمد الإشادة أو الإشارة إلى ما بذلته مصر من جهود لإنجاح المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المنعقد في شرم الشيخ، بل على العكس حاول الانتقاص من ذلك الأمر من خلال الإشارة إلى وقائع مغلوطة عن تضييق السلطات المصرية على ممثلي المجتمع المدني المصري في أثناء المؤتمر، وفق البيان.
وأوضح البيان أن مجلس النواب المصري يُعرب عن استيائه البالغ إزاء الاستهداف المكثف الذي تعرضت له مصر من البرلمان الأوروبي، استغلالًا لاستضافتها لقمة المناخ (كوب 27)، وأنه بالرغم من ذلك، فإنه أثبتت مصر للعالم أجمع نجاحها في استضافة ذلك الحدث العالمي الكبير وتنظيمه على أعلى مستوى، الذي شهد مشاركة واسعة غير مسبوقة، وخرج بنتائج ملموسة عبرت عن احتياجات ومطالب العالم بأسره من أجل إنقاذ كوكب الأرض.
وأضاف أن "مجلس النواب المصري يُذكر البرلمان الأوربي بأنه كان الأجدر به بدلًا من الرصد المتزايد، وفق معلومات غير موثقة، لحالة حقوق الإنسان في مصر، أن يوجه أنظاره صوب مواجهة التحديات التي تجابهها دول الاتحاد الأوروبي للارتقاء بحقوق الإنسان، في ظل ما تشهده تلك الدول من انتهاكات صارخة لتلك الحقوق، وفي مقدمتها: المخاطر التي يواجهها المهاجرون واللاجئون والأقليات العرقية، العنصرية الممنهجة ضد بعض الدول الأوروبية، تنامي عدد من الظواهر المقلقة التي تهدد أمن وسلم المجتمع كالإسلاموفوبيا، وخطاب الحض على الكراهية، والعنف ضد المرأة والجرائم التي ترتكب ضد القصر، وعنف الشوارع".
وأكد مجلس النواب المصري أنه حريص -كل الحرص- على مدّ أواصر الصداقة والتعاون مع الشركاء كافة، بما في ذلك الأوروبيون، متفهمًا رغبة بعض المؤسسات البرلمانية في الإعراب عن اهتمامها بالشأن الداخلي المصري لما تتمتع به مصر من ثقل سياسي، لا سيَّما أنها كانت وما زالت ركيزة الأمن والاستقرار بالمنطقة، إلا أن هذا الاهتمام يجب أن يقوم على أساس من الاحترام المتبادل والتعاون، بعيدًا عن سياسات الإملاء والرصد والتدخل في الشؤون الداخلية.
وأكد مجلس النواب المصري أن الارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان بمصر باتت هدفًا وطنيًا، منبته الرغبة في تحقيق مصلحة المواطن المصري، وتلبية تطلعاته في الحياة الكريمة وصون حقوقه وحرياته، حيث تتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة المعنية لتحقيقه، ولعل ما تُجريه الدولة في الوقت الراهن من حوار وطني يشمل جميع القوى السياسية والمدنية باختلاف انتماءاتها وأيديولوجياتها، ووضعها إطارًا مؤسسيًا لممارسة رئيس الجمهورية لحقه الدستوري في العفو عن بعض المحكوم عليهم ببعض العقوبات من خلال إنشاء لجنة العفو الرئاسي، التي تمارس عملها في إطار من العلانية والشفافية، ينضويان على دلالة لا تقبل التشكيك في رغبة الدولة في رسم مسارات -تتفق عليها قوى الشعب- في شتى المجالات لا سيَّما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وغيرها من المجالات المرتبطة بالحقوق والحريات؛ بغية نقل السياسات المصرية إلى مسار جديد يُلبى تطلعات الشعب على جميع الأصعدة.
واختتم البرلمان المصري: "لن نألو جهدًا نحو بلوغ هذا الهدف، سواء من خلال سن أو تعديل التشريعات اللازمة لذلك، أو ممارسة أدواره الرقابية على أجهزة الدولة المعنية، دون حاجة لأوصياء غير الشعب المصري، بوصفه مصدر السلطات".