بعدما أعربت البعثة الأممية في كاراباخ عن صدمتها إثر وضع صعب آلت إليه المدينة، وباتت كمدن الأشباح بعد فرار غالبية السكان بطريقة مفاجئة، دعت برلين أذربيجان للسماح بنشر مراقبين دوليين في المدينة بأسرع وقت.
وبعد هجوم جيش أذربيجان على إقليم ناجورنو كاراباخ، فر آلاف الأرمن من مدنهم إلى أرمينيا عبر ممر لاتشين، وسط ذهول العالم الذي يرصد أزمة إنسانية جديدة تُسطر، لكن دون تدخل أي من دول المنطقة للمساعدة.
وينظر العديد من الأرمن الفارين من كاراباخ، إلى مهمة البعثة الأممية الأولى إلى المنطقة منذ 30 عامًا، باعتبارها جاءت "متأخرة للغاية"، بعد ما استعادت أذربيجان المنطقة في عملية عسكرية خاطفة الشهر الماضي.
الجميع غادروا
وفي لقطات حية صباح اليوم الثلاثاء، يمكن رؤية ساحة مركزية فارغة في ستيباناكيرت، مليئة بالقمامة ودراجات الأطفال المهجورة. بحسب ما أوردته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وقالت بعثة الأمم المتحدة في بيان لها: "لقد صدمت البعثة بالطريقة المفاجئة التي غادر بها السكان المحليون منازلهم والمعاناة التي تسببت بها هذه التجربة".
وترك الكثير من السكان منازلهم ومتاجرهم مفتوحة لأولئك الذين قد يكونون في حاجة إليها، حتى إن أبواب المنازل تُركت مفتوحة على مصراعيها، وفق ما أكده رئيس قسم الانتشار السريع باللجنة الدولية للصليب الأحمر، ماركو سوتشي في تقرير نشره الموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وقال سوتشي، إن "المدينة الآن مهجورة تمامًا".. "لقد غادر الطاقم الطبي. غادرت سلطات مجلس المياه. مدير المشرحة.. أصحاب المصلحة الذين كنا نعمل معهم من قبل، غادروا أيضًا.. هذا المشهد سريالي للغاية".
أولوية الإنقاذ
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن فريق البعثة الأممية الموجود على الأرض، سوف "يحدد الاحتياجات الإنسانية" لكل من الأشخاص الباقين و"الأشخاص الموجودين في المنطقة" وعازمون على التحرك.
وفي هذا السياق، أكد المسؤول بلجنة الصليب الأحمر أن الأولوية لفريق البعثة الآن هي العثور على "الحالات الضعيفة للغاية، وكبار السن، والمعاقين عقليًا، والأشخاص الذين تُركوا دون أحد"، لا سيما مع توقف غالبية المستشفيات عن العمل، وفق ما أكده سوتشي.
ومن المتوقع وصول نحو 300 طرد غذائي، اليوم الثلاثاء، من جوريس (نقطة دخول رئيسية من منطقة كاراباخ) لتوفير السلع الأساسية لمن تركوا وراءهم كل شيء، ضمن مساعدات إنسانية موجهة إلى المدينة، بحسب سوتشي.
تدفق هائل يثير المخاوف
على الناحية الأخرى، يثير التدفق الهائل للفارين من كاراباخ إلى أرمينيا المجاورة خطورة كبيرة، لا سيما على الصعيد الصحي.
وقالت السلطات الأرمينية إنه بحلول مساء أمس الاثنين، فرَّ أكثر من 100 ألف وخمسمئة شخص، من أصل عدد سكان يبلغ نحو 120 ألف نسمة في كاراباخ، إلى أرمينيا.
وأشارت مارثا إيفيرارد، الممثلة الخاصة للمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أرمينيا، إلى تلك المخاوف، وأكدت أن النظام الصحي في البلاد بحاجة إلى تعزيز يكافئ هذا التدفق "الضخم" للاجئين، وسلطت إجراءات في هذا الشأن.
وفي إطار التعاطي مع هذه التحديات أكدت ممثلة الصحة في أرمينيا عزم المنظمة دعم النظام الصحي هناك بما "يشمل دعم دمج أكثر من 2000 ممرضة وأكثر من 2200 طبيب في النظام الصحي الأرميني"، إضافة إلى توسيع دعم الطوارئ.
ونوّهت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لتحدٍ كبير بات يقع على كاهل أرمينيا، التي يبلغ عدد سكانها 2.8 مليون نسمة، بسبب التدفق المفاجئ للاجئين، الذين يعاني العديد منهم من "الجوع والإرهاق ويحتاجون إلى مساعدة فورية"، وفق بيان أوردته في وقت سابق.
تطهير عرقي أم قرار شخصي؟
بينما وصف المسؤولون الأرمن النزوح من ناجورنو كاراباخ بأنه "عمل مباشر من أعمال التطهير العرقي"، رفضت أذربيجان هذه الاتهامات ودفعت بأن رحيل السكان كان "قرارهم الشخصي والفردي ولا علاقة لها به".
وقال المسؤولون الأذربيجانيون، أمس الاثنين، إنهم سيضمنون "الحقوق والحريات المتساوية للجميع في كاراباخ، بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو اللغوي".
وغادر معظم الأرمن لأنهم لا يعتقدون أن السلطات الأذربيجانية لن تعاملهم بشكل عادل وإنساني، أو ستضمن لهم لغتهم ودينهم وثقافتهم. بحسب ما رصدته تقارير إعلامية محلية.
وزادت الاعتقالات الأخيرة التي قامت بها أذربيجان لعدد من المسؤولين البارزين من كاراباخ من تفاقم مخاوف الأرمن، بعد ما اعتقلت شرطة الحدود الأذربيجانية روبن فاردانيان، الذي كان يرأس سابقًا حكومة كاراباخ الانفصالية بين نوفمبر 2022 وفبراير 2023.
وأعلن المدعي العام الأذربيجاني كامران علييف فتح 300 قضية جنائية في جرائم حرب ارتكبها 300 مسؤول انفصالي، وتبع قراره العديد من الاعتقالات بحق كبار المسؤولين السابقين في المنطقة الانفصالية أثناء مغادرتهم المدينة بما في ذلك دافيت مانوكيان، القائد السابق لجيش الدفاع.
وساطة برلين
ووسط غياب للمجتمع الدولي حتى بلغت الأزمة هذا الحد، فمن المأمول أن يغير الواقع لقاء يجمع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، مع المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل بعد غد الخميس الموافق الخامس من أكتوبر، في غرناطة الإسبانية، بحسب بيان أورده مجلس الأمن الأرميني.
وطالبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أذربيجان بالسماح بأسرع وقت لمراقبين دوليين بدخول إقليم ناجورنو كاراباخ. ودفعت بأن "هناك حاجة الآن إلى وجود الشفافية وعيون وآذان المجتمع الدولي ميدانيًا". وفق ما أورده موقع التلفزيون الألماني "دويتشه فيله".
واعتبرت "بيربوك" حال تم الاستجابة لأمر نشر المراقبين أنه "سيكون دليلًا على الثقة في أن تأخذ أذربيجان تعهداتها بالحفاظ على أمن ورفاهية السكان في كاراباخ مأخذ الجد"، بحسب دويتشه فيله.
وأعلنت ألمانيا عن زيادة الأموال المخصصة للجنة الدولية للصليب الأحمر من مليوني إلى خمسة ملايين يورو.