التوتر الذي يعتري العلاقات بين فرنسا وألمانيا حاليًا، يؤدي إلى تباطؤ القرارات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك صفقات الدفاع والتجارة بأوكرانيا، وهو ما كشف عنه دايفيد مكاليستر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، الشخصية الرئيسية في حزب الديمقراطيين المسيحيين المعارض بألمانيا، لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وقال "مكاليستر": إنه يشعر بالقلق من أن عدم الاتصال بين المستشار أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يتسبب في تأخير القرارات الرئيسية بشأن الدبابات القتالية والطائرات المقاتلة لأوكرانيا، والاتفاق التجاري المستقبلي مع أمريكا اللاتينية.
وأضاف: "في الوقت الحالي نشهد تراجعًا ملحوظًا في التنسيق الداخلي بين باريس وبرلين، وهذا ليس جيدًا".
وأوضح "أن العلاقات الفرنسية الألمانية، التي تعتبر منذ فترة طويلة القوة الدافعة للاتحاد الأوروبي، ليست كل شيء في أوروبا، لكن دون التعاون بين البلدين لا تسير الأمور على ما يُرام".
وأردف: "في النهاية يتعين على باريس وبرلين الاتفاق على تسهيل الأمور، وهنا أنتقد الحكومة الألمانية. لا أعتقد أننا شهدنا مثل هذا التعاون الضئيل بين باريس وبرلين كما نشهده في الوقت الحالي".
تداعيات العلاقات الضعيفة بين باريس وبرلين
لفت "مكاليستر" إلى أن أحد تداعيات العلاقات الضعيفة بين باريس وبرلين، تمثل في الكفاح من أجل اتخاذ القرارات بشأن الجيل التالي من دبابة القتال الأوروبية، وهي جزء لا يتجزأ من نظام القتال الرئيسي بأوكرانيا أو أي منطقة حرب أخرى في المستقبل.
وفي الشهر الماضي، وعدت باريس وبرلين بإحراز تقدم بحلول نهاية العام بعد اجتماع بين سيباستيان ليكورنو، وزير الدفاع الفرنسي، ونظيره الألماني بوريس بيستوريوس، لكن البعض يعتقد أن هناك حاجة إلى مزيد من الزخم السياسي لتسريع القرارات.
وكان مكاليستر، قال في مقابلة أجريت معه قبل لقاء وزيري الدفاع الفرنسي والألماني: "إن أي شخص يتابع العلاقات الألمانية الفرنسية طوال العقود الماضية سيوافق على أن هناك دائمًا عوائق، والمثال الأبرز هو أننا مرة أخرى لا نمضي قدمًا في تطوير دبابة القتال الأوروبية. وهذا مجرد مثال واحد على الضعف في العلاقة".
وأضاف: "لا نرى أي نوع من التقدم فيما يتعلق بالطائرات المستقبلية. ولم يتم إحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق تجاري مع كتلة ميركوسور لدول أمريكا اللاتينية".
ويستشهد "مكاليستر" بخطاب ألقاه الزعيم الألماني، أغسطس الماضي، في براج، باعتباره انعكاسًا لنقص الترابط في قلب أوروبا.
وقال مكاليستر: "هل يمكنك أن تتخيل -لقد تحدث لمدة 45 دقيقة عن مستقبل أوروبا وخاصة الدفاع والأمن- ولم يذكر فرنسا؟.. يعني مع من ستنظم دفاعك وأمنك الأوروبي إن لم يكن مع فرنسا؟.. إن فرنسا هي القوة العسكرية الرائدة في أوروبا، وقد تركنا البريطانيون".
وأمضى حزب يمين الوسط الذي يتزعمه مكاليستر، بقيادة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، العامين الماضيين في معارضة الائتلاف الذي يقوده الديمقراطيون الاشتراكيون من يسار الوسط بزعامة شولتس، وحزب الخضر والديمقراطيون الأحرار الليبراليون الجدد.
وعلى عكس شولتس، أقامت ميركل، علاقات وثيقة على مدار 16 عامًا مع 4 رؤساء فرنسيين، بما في ذلك ماكرون، ما أكسبها الاعتراف بها كزعيم فعلي للاتحاد الأوروبي.
أوروبا تفتقد العلاقة القوية بين فرنسا وألمانيا
ويتفق الخبراء على أن الكتلة الأوروبية تفتقد الآن علاقة العمل القوية هذه، إذ قالت جورجينا رايت، مديرة برنامج أوروبا في معهد مونتين للأبحاث بباريس: "وجهة نظري هي، نعم، العلاقات متوترة. نعم، هناك قضايا رئيسية يتعين عليهم التغلب عليها، استنادًا إلى الخلاف الفعلي في السياسات والنهج. لكن لا ينبغي لنا أن نبالغ في ذلك كثيرًا".
وأضافت: "نحن نمر بفترة من عدم الثقة.. لكن هذا ليس قريبًا مما حدث بين المملكة المتحدة وفرنسا في عامي 2017 و2018 من حيث العداء. عليك أن تتذكر أن العلاقة الفرنسية الألمانية أهم بكثير من العلاقة بين فرنسا والمملكة المتحدة".
وأوضحت رايت: "هناك وجهة نظر في باريس مفادها أن ألمانيا تقضي الكثير من الوقت في التحدث مع نفسها، لقد تم تشكيل ائتلاف، لكن الأحزاب الثلاثة مختلفة تمامًا، وهم يقضون الكثير من الوقت في الاتفاق على سياسة جديدة بالداخل لدرجة أنه بحلول الوقت الذي تصل فيه بروكسل، لم يكن لديهم الوقت لمناقشته مع أي مكان آخر. في الواقع، هذا شيء سمعته ليس فقط من فرنسا، لكن من الدول الأعضاء الأخرى أيضًا".
لكنها أوضحت أنه على الرغم من وجود خلافات جوهرية بين الحكومتين الفرنسية والألمانية، فإنهما تتحدثان ليس فقط عدة مرات في الأسبوع، لكن عبر جميع الوزارات وعلى جميع المستويات.
تصدع العلاقات بين برلين وروما
ولفتت "الجارديان" إلى أن هذا الأسبوع، تكشفت خطوط الصدع في العلاقة بين برلين وروما، إذ كتبت جيورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية، احتجاجًا على خطط ألمانيا لتمويل منظمتين غير حكوميتين للمهاجرين تعملان في إيطاليا.
ومن المرجح أن يكون موقف ألمانيا هذا قد أسهم في قرار إيطاليا بحجب الموافقة على نص جديد، بشأن إصلاحات قوانين الهجرة في الاتحاد الأوروبي، خلال قمة وزراء الداخلية في بروكسل، الأسبوع الماضي.