الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الحجاب في إيران.. أزمة سياسية تلقى بظلالها على عالم الرياضة

  • مشاركة :
post-title
الإيرانية "إلناز ركابي"

القاهرة الإخبارية - عبدالله عويس

على جدار مرتفع مُثبّت به بعض الحواجز، كانت الإيرانية "إلناز ركابي" تحاول الوصول إلى نقطة بعينها أعلى الحائط في فترة زمنية محددة، ضمن بطولة التسلق الآسيوية في كوريا الجنوبية، لم يكن الأمر جديدًا، فلطالما شاركت "ركابي" في بطولات عديدة، غير أن هذه المرة، ثمّة مخاوف على حياتها.

ذيل حصان

ظهرت الرياضية الإيرانية "ركابي" في مقطع فيديو، وهي تتسلق بشعر مكشوف، دون ارتداء الحجاب، إذ اكتفت بلف رأسها بعصبة بينما ظهر شعرها على طريق "ذيل الحصان". أمر لاقى حفاوة من الإيرانيات، المحتجات على قواعد الملابس المفروضة عليهن من السلطات الإيرانية، اعتبر إيرانيون أنها رسالة تضامن من "ركابي" مع الاحتجاجات في إيران، فيما تسلّل خوف إلى آخرين على "ركابي"، خشية تعرضها لأذى بسبب ذلك المشهد، خاصة وأنها خالفت قواعد الحجاب الإلزامية للنساء في إيران، التي تطبق على الرياضيات المشاركات في مسابقات خارج البلاد.

احتجاجات نون النسوة

يأتي ذلك في وقت تدخل فيه الاحتجاجات شهرها الثاني، وسط دعم وتعاطف من قبل المجتمع الدولي، ومناهضة وقمع من قبل السلطات الإيرانية. بعدما شغلت "نون النسوة " في إيران أذهان العالم. من لدن الثورة الإسلامية عام 1979، وما صاحبها من تغيرات فُرضت على المجتمع الإيراني وفي القلب منه نساؤه، مرورًا بعدة أحداث، كان أبرزها مؤخرًا موت "مهسا أميني"، وهي محتجزة لدى الشرطة، بسبب طريقة ارتدائها الحجاب. 

أشعل الأمر انتفاضة، بقوة "تاء التأنيث"، تعاطف معها العالم ضد "الفاشية الدينية"، على أن الحركة التي بدأت سياسية لرفض القمع وممارسات شرطة الأخلاق، ألقت بظلالها على كل شيء، ووصلت الآن إلى ملاعب الرياضة.

وفاة مهسا أميني

كانت الاحتجاجات اندلعت، في سبتمبر الماضي، بسبب وفاة مهسا أميني، ذات الـ22 عامًا، وهي معتقلة لدى الشرطة، التي نقت الأخيرة أن تكون وفاتها بسبب الضرب، وإنما بنوبة قلبية. لكن الشرارة انطلقت ضد نظام المرشد، ووصلت أصداؤها إلى دول العالم، إلى الحد الذي دفع وزيرة الخارجية البلجيكية "حجة لحبيب"، ونائبتان في البرلمان إلى قص بعض خصلات شعرهن، في مطلع أكتوبر الجاري، تضامنا مع تلك الاحتجاجات. كما نشرت كثيرات حول العالم صورا وفيديوهات لحرق غطاء الرأس، وخرجت مظاهرات في دول غربية لدعم المرأة الإيرانية.

قلق متزايد

بسبب تلك الاحتجاجات فإن حالة قلق عميق تشكلت تجاه إلناز ركابي، لكنها قالت في منشور لها عبر إنستجرام، الثلاثاء الماضي، إن حجابها سقط عن غير قصد منها بسبب النداء غير المتوقع لتسلق الجدار، مطمئنة الجميع أنها في طريقها إلى إيران. فيما نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن شقيقها ما يفيد بأن إلناز ركابي ستشرح في مؤتمر صحفي ما حدث.

حجاب بالإلزام

ويفرض على لاعبات إيران، الالتزام بقواعد الملابس وهن يمثلن دولتهن في مسابقات خارج حدود البلاد. تغطي اللاعبات الشعر والذراع والساق، بملابس فضفاضة. وهي الأمور ذاتها المطلوبة من نساء إيران في العموم. لم تكن الأوضاع كذلك قبل الثورة الإسلامية، لكن المرشد الأعلى آية الله الخميني، أصدر تعليمات بأن ترتدي النساء الحجاب الشرعي خارج البيوت، وهو أمر رفضته إيرانيات لاقين عنفا من الشرطة بسبب ذلك الرفض. 

استقبال شعبي

وفجر الأربعاء الماضي عادت إلناز ركابي إلى إيران، وسط استقبال شعبي حاشد، ضم أفراد من أسرتها، وكانت ترتدي قبعة بيسبول فوق حجابها. وقالت لوسائل إعلام إنها تعتذر للشعب الإيراني على القلق الذي ساور البعض. لكن كثيرين يخشون أن تكون كلمات لاعبة التسلق وتدوينتها على إنستجرام بالإكراه. وتدعم تلك المخاوف اعترافات سابقة لمعتقلات بأنهن تعرضن للتهديد والإجبار للإدلاء بأقوال محددة لوسائل الإعلام، على غير الحقيقة.

تاريخ يتجدد

تذكّر واقعة اللاعبة إلناز ركابي بما حدث مع "شهرة بيات" التي كانت تحكّم في منافسة دولية للشطرنج، في عام 2020. وأظهرت صور خلال مباراة في الصين، أنها دون حجاب، وخشيت محكمة الشطرنج العودة إلى بلادها بتهمة عدم ارتداء الحجاب، بعدما تداولت صورها وسائل إعلام إيرانية قالت إنها كانت تحض على خلع الحجاب. لكن شهرة بيات نفت الأمر رغم أنها لا توافق على القانون الذي يفرض الحجاب في إيران. وحصلت على اللجوء السياسي في بريطانيا. وقالت في تصريحات صحفية آنذاك إنها لو عادت إلى إيران لجرى جلدها بسبب تصرفها.

هروب من السلطة

قبل ذلك، كانت أول فتاة إيرانية تحصل على ميدالية أولمبية، "كيميا على زاده"، قد غادرت إيران هربا مما أسمته "ظلما ونفاقا"، واصفة نفسها بأنها واحدة من ملايين النساء المضطهدات في إيران. حققت "زاده" إنجازا تاريخيا حين حصلت على الميدالية البرونزية في التايكوندو في دورة ريو دي جانيرو عام 2016. وقالت إنها غادرت إيران لأنها سئمت من قانون الحجاب. 

النساء في دولة المرشد

ارتداء الحجاب بشكل إلزامي فُرض داخل المؤسسات الحكومية في عام 1981، بعد نحو عامين على الثورة الإيرانية، قبل أن يصبح إلزاميا خارج المنازل في عام 1983 بعد إقرار عقوبات على عدم مرتديات الحجاب خارج بيوتهن. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم تظهر حملات ضد قانون الحجاب الإلزامي، تزداد حدتها تارة وتقل في بعض الأحيان. وفي احتجاجات عام 2018 بطهران، بسبب تردي الأحوال المعيشية، ظهرت فتاة تدعى "فيدا موحد" في أحد الشوارع دون حجاب، اعتُقلت قبل أن يتم الإفراج عنها، إلا أن كثيرات قمن بالفعل نفسه، إلى أن أحيت مهسا أميني الأمر بموتها في 2022.

رمز سياسي

لم يكن الحجاب في إيران قضية دينية فقط، صار له بُعد سياسي، منذ عهد رضا بهلوي الذي حظر ارتداء الحجاب، انتهاء بعد إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني، الذي وسع صلاحيات شرطة الأخلاق، المنوط بها فرض قوانين اللباس الإسلامي على النساء والفتيات في الأماكن العامة واحتجاز اللواتي يرتدين ملابس غير لائقة، انطلقت مظاهرات واحتجاجات، ولقيت فتيات وسيدات عنفًا من شرطة الأخلاق، في ظل وضع اقتصادي مأزوم، بات معه المواطن الإيراني في حالة يُرثى لها.