تولى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك-يول الرئاسة في عام 2022- فترة رئاسية لخمس سنوات -، وسط توقعات بأنه سيصب كامل تركيزه على الشؤون الداخلية. لكنه فاجأ الجميع برسم مسار سياسي خارجي يختلف بشكل واضح عن الماضي القريب لكوريا الجنوبية، في انحياز واضح نحو الولايات المتحدة، ومعاداة واضحة للصين.
وتناقض اتجاه "يون" في السياسة الخارجية بشدة مع سابقه مون جاي إن، الذي وصفه "يون" بأنه "موالٍ للصين" في تصريحاته العامة. وقال "يون" سابقًا: "معظم الكوريين الجنوبيين، وخاصة الشباب، لا يحبون الصين على الرغم من أن إدارة الرئيس "مون" اتبعت سياسات موالية للصين". وأوضح موقفه لصحيفة "نيويورك تايمز" في سبتمبر 2022، قائلًا: "ستتخذ كوريا الجنوبية موقفًا أوضح فيما يتعلق بالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين".
معاداة الصين
لعب يون سوك يول دورًا رئيسيًا في تدبير قمة ثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية في "كامب ديفيد"، ولم تكن هذه القمة ممكنة من دون دفع "يون" نحو التصالح مع اليابان، التي استعمرت كوريا الجنوبية - من 1910 وحتى 1945 بنهاية الحرب العالمية الثانية-.
وعلى الرغم من أن القمة توقفت عند حد تثبيت تحالف عسكري رسمي، فإنها صدحت بالروح التي تجسدها المادة 5 من حلف شمال الأطلسي، "هجوم ضد واحد هو هجوم ضد جميع"، باستبدال "هجوم" بـ"تهديد". واقترح بعض المحللين أن هذه الشراكة الأمنية قد تحمل أهمية تاريخية أكبر من اتفاقية "أوكوس". في حين وصفت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، قمة "كامب ديفيد" بأنها ربما "طلقة انطلاق لحرب باردة جديدة".
وشاركت كوريا الجنوبية تحت قيادة يون في أول قمة لحلف شمال الأطلسي، وأعطت الضوء الأخضر لإرساء غواصات نووية أمريكية بشكل متقطع في مواني كوريا الجنوبية لردع كوريا الشمالية. وأيدت كوريا الجنوبية إعلان "كامب ديفيد" المشترك الذي يذكر الصين باسمها صراحة، وينتقد "السلوك الخطير والعدائي" لها في بحر الصين الجنوبي، ويؤكد موقف كوريا الجنوبية بشأن تايوان.
المواءمة مع أمريكا
وأدخل الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول تحولًا جذريًا في سياسة بلاده الخارجية، مواءمًا إياها أكثر مع الولايات المتحدة، لكن هذا التوجه الاستراتيجي الجريء لم يترجم بالضرورة إلى ارتفاع في نسبة شعبيته المحلية.
إلى جانب الأمن، عزّز "يون" الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة، خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سول في العام الماضي، لتعتنق إدارة يون رسميًا إطار المحيطين الهندي والهادئ الاقتصادي بقيادة أمريكية، وتعهدت شركات كبرى من كوريا الجنوبية، مثل "سامسونج وهيونداي موتور"، ببذل مليارات من الدولارات لبناء مرافق لتصنيع أشباه الموصلات وبطاريات المركبات الكهربائية في الولايات المتحدة.
تأييد فاتر
وعلى الرغم من هذه التحولات الملحوظة في السياسة الخارجية، فإن جاذبية "يون" المحلية لا تزال فاترة على أفضل تقدير، إذ يشير استطلاع رأي حديث من "جالوب" إلى أن شعبية يون تبلغ 34% فقط، ويرجع ذلك إلى سياساته، وأسلوب قيادته، وقضايا حرية الصحافة، والجدل المحيط باستخدام سلطة السيدة الأولى، التي تبرز جميعها دينامية متعددة الأوجه للسياسة في كوريا الجنوبية.
تحديات منتظرة
يواجه "يون" العديد من التحديات في المستقبل، منها الشك في استمرار سياساته بعد انتهاء فترة رئاسته، خاصة إذا ظهر خلفًا له من الجانب التقدمي المعادي لليابان، خاصة بعد ما أعربت أغلبية ساحقة من الكوريين الجنوبيين (84%) عن عدم موافقتهم على قرار اليابان بإطلاق مياه نفايات مشعة معالجة من محطة فوكوشيما النووية في المحيط، حتى أولئك الذين يقولون إنهم محافظون ومؤيدون لحكومة يون صرّحوا بالقلق نفسه.
كما أن يون خالف اتجاه الرأي الشعبي في سعيه إلى التقارب الثلاثي، الذي طال انتظاره من قِبل واشنطن، ويظهر دفع "يون" لتحسين العلاقات مع اليابان، على الرغم من التحفظات العامة الناشئة عن المظالم التاريخية، التوازن الدقيق الذي يحتاج إليه القادة بين الدبلوماسية الدولية والمشاعر المحلية.
أزمات اقتصادية
أما عن الاقتصاد المحلي فقد أثبت أنه عقبة كبيرة في سياسة يون الخارجية الطموحة، إذ تسلط معدلات البطالة المتزايدة، وخاصة بين الشباب، الضوء على القضايا الاقتصادية الملحة، خاصة أن نسبة مذهلة تبلغ 53.8% من جميع العاطلين عن العمل لديهم شهادة جامعية أو أعلى، وتبرز استطلاعات الرأي باستمرار الاقتصاد كأهم ما يشغل بال الناخبين الكوريين الجنوبيين، فإذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض دعم "يون" المحلي الهش بالفعل.
وستضطر كوريا الجنوبية إلى إقامة تحالفات اقتصادية قوية لتعويض الخسائر المحتملة في السوق الصينية، مع زيادة تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة. وسيعتمد إرث "يون" على قدرته في إقناع الكوريين الجنوبيين بأن اختيار الولايات المتحدة على حساب الصين يثبت أكثر من مجرد استراتيجية وأنه يفيد اقتصاد كوريا الجنوبية مباشرة.
اقتراب الحسم
وينتظر يون لحظة حاسمة في أبريل 2024 عندما يتوجه الكوريون الجنوبيون إلى صناديق الاقتراع لانتخابات تشريعية. هذا الحدث - المشابه لانتخابات منتصف المدة في الولايات المتحدة - يعمل كمؤشر لأداء الرئيس، وقد يؤدي هزيمة حزب يون إلى إغراقه في مرحلة سابقة لأوانها، وإضعاف زخم سياسته، إذا حصل مرشح من المعارضة على رئاسة، فإن هذا قد يفتح باب التراجع عن سياسات يون التوقيعية - خاصة سياساته في مجال العلاقات الخارجية.