في عالم الدبلوماسية والسياسة الدولية، تتمتع بعض الرموز بأهمية خاصة وتحمل في طياتها تاريخًا عريقًا ومعاني رمزية، ومن بين هذه الرموز الدبلوماسية البارزة، تأتي مطرقة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنتظر أن يمسك بها، السفير دينيس فرانسيس، مع انطلاق اجتماعات الجمعية العامة العادية رقم 78 هذا الأسبوع، ليؤكد على رمزية السلام والتفاهم بين الدول. تاريخ هذه المطرقة الصغيرة مليء بالقرارات المهمة والإنجازات الكبيرة التي تحققت تحت راية الأمم المتحدة.
تستخدم مطرقة رئيس الجمعية العامة في الاجتماعات الدولية لإعلان بداية الجلسات ونهايتها، والموافقة على جدول الأعمال، وانتخاب المسؤولين، واعتماد القرارات المهمة التي تؤثر على العالم بأسره، إن صوت المطرقة يعتبر رمزًا للتفاهم والقرارات المشتركة التي تتخذها الدول لتحقيق السلام والأمن العالميين.
المطرقة وبلاد الفايكنج
وبحسب ما يُشير موقع الأمم المتحدة، فإن قصة مطرقة رئيس الجمعية العامة تبدأ في آيسلندا، والتي تُعتبر أقدم ديمقراطية في العالم، بسبب ما تحمله من تاريخ غني. في العام 930، تم عقد أول جلسة برلمانية في بلاد الفايكنج، والتي لم تكن مسالمة تمامًا، بل تذكرنا بصعوبات عصر الفايكنج. ومنذ ذلك الحين، شهدت المطرقة تحولًا هائلًا من أداة استخدمها زعماء القبائل لتأديب أفرادهم إلى مطرقة يستخدمها زعيم برلمان العالم. ولذلك، في منتصف القرن العشرين، اقترح الآيسلنديون أن يتسلح رئيس الجمعية العامة بمطرقة آيسلندية.
تحمل المطرقة نقشًا باللغتين الآيسلندية واللاتينية يقول: "يجب بناء المجتمع على أساس القوانين". وتم اقتباس هذه العبارة من إحدى المخطوطات الآيسلندية القديمة التي يعود تاريخها إلى القرن العاشر، وهي الفترة التي اعتنقت فيها البلاد الديانة المسيحية، ولعبت الديانة المسيحية دورًا مهمًا في إنهاء الصراعات الداخلية وتوحيد البلاد في ذلك الوقت.
مطرقة ثور
ويطلق على مطرقة رئيس الجمعية العامة أيضًا اسم مطرقة ثور، إذ أهدى الممثل الدائم لآيسلندا السيد ثور ثورس، المطرقة لرئيس الجمعية العامة، بمناسبة افتتاح مبنى مقر الأمم المتحدة الجديد المطل على ضفة النهر في نيويورك عام 1952، ولهذا تعرف أيضًا بمطرقة ثور.
رمزية المطرقة
تم استخدام مطرقة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة في اجتماع الجمعية العامة في عام 1955، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه المطرقة رمزًا للتفاهم والسلام بين الدول، تم تصميم المطرقة بعناية فائقة، إذ يتكون رأس المطرقة من الفولاذ المقاوم للصدأ، ويحمل مقبضًا خشبيًا يحمل شعار الأمم المتحدة.
منذ تدشينها في عام 1955، شهدت مطرقة رئيس الجمعية العامة العديد من الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، وكانت حاضرة في اللحظات التاريخية التي شهدها العالم. ففي عام 1962، استخدمت المطرقة في اجتماع الجمعية العامة الذي أدى إلى اعتراف الأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية كدولة عضو في المنظمة. وفي عام 1994، تم استخدام المطرقة لإعلان السلام في جنوب إفريقيا ونهاية نظام الفصل العنصري.
كسر المطرقة الأممية
والمثير للاهتمام هو أن المطرقة المهداة من آيسلندا استمرت في الجمعية العامة لمدة ثماني سنوات قبل أن يحدث شيء غير متوقع، إذ إنه في عام 1960، قام رئيس الجمعية العامة آنذاك، الأيرلندي فريدريك بولاند، بكسر المطرقة عندما ضرب بها على الطاولة في محاولة لتهدئة الزعيم السوفيتي، نيكيتا خروشوف، ومنعه من ضرب الطاولة بحذائه، وتسبب ذلك في ضجة هائلة في القاعة، وحاول بولاند تهدئة الأمور بضرب الطاولة بقوة بالمطرقة حتى انكسرت منه.
تعبيرًا عن التضامن مع رئيس الجمعية العامة، قامت وفود الدول بإرسال مطارق للسيد بولاند، ولكن القرار النهائي في الأمم المتحدة كان مختلفًا، إذ طلبت المنظمة الدولية نسخة مطابقة للمطرقة المكسورة من آيسلندا، وعلى عكس النسخة الأصلية، نجحت النسخة الجديدة في الصمود في الأمم المتحدة لمدة تقريبية نصف قرن.
الاختفاء
لم تكن حادثة كسر المطرقة في عام 1960 نهاية نوادر مطرقة "ثور" ففي عام 2005، اختفت المطرقة ولم يعثر عليها وتم الإبلاغ عن اختفاء المطرقة، على الرغم من أن كل قاعة من قاعات المؤتمرات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك تحتوي على مطارق خشبية صغيرة، إلا أن المطرقة الموجودة في مبنى الجمعية العامة ضخمة ومنحوت عليها نقش خاص، أما لونها فيميل إلى البني، وتم نحتها وتصميمها بيد سيجريدور كريستجانسدوتير، وهي واحدة أشهر النحاتين في آيسلندا، والتي اختارت خشب شجرة الكمثرى القوي، خاصة بعد أن كسر المطرقة الأولى.