مع كل كارثة طبيعية، يموت الكثيرون وينجو آخرون، ينجحون في الفرار من الموت والتشبث بالحياة، لكنها حياة مغلفة بطعم الموت، ربما يصبح بعضهم بلا مأوى، وآخرون ضحية للأمراض النفسية أو فريسة للاتجار في البشر.
يفقد الكثيرون مقومات العيش بعد النجاة من الكوارث الطبيعية، وعندها يصبح بعضهم عرضة للأمراض النفسية، وفقدان المأوى، حتى إن عصابات الاتجار بالبشر تنشط في بعض البلدان بعد تلك الكوارث.
وبعد الكوارث الأخيرة التي ضربت عدة دول، عربية وأجنبية، أثارت جمعيات حقوق الإنسان المحلية، قلقًا من منشورات على مواقع التواصل تضمنت دعوات إلى تزويج الفتيات المتضررات بزعم "سترهن"، مؤكدة ضرورة تقديم الحماية والدعم للأطفال ممن فقدوا منازلهم وأهاليهم.
جرائم الاتجار بالبشر
شهدت عدة بلدان في العالم، وبينها أمريكا، نشاطًا لجماعات الاتجار في البشر بعد الكوارث الطبيعية، إذ يصبح المتضررون عرضة لتلك الأفعال، نظرًا لوضعهم المعيشي الهش، وتشرد الكثيرين منهم، إلى جانب تركيز السلطات على عمليات الإنقاذ، ما يجعل الحماية الفعالة غائبة عنهم بشكل كلي أو جزئي.
وهناك فئات معينة تعد أكثر عرضة من غيرها للوقوع فريسة للاتجار في البشر، أبرزها الأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم جراء الكارثة، إلى جانب النساء اللواتي فقدن أسرهن ومنازلهن وسبل العيش، إضافة إلى المهاجرين الذين يصلون إلى المناطق المنكوبة للعمل، بحسب مجلة "دوميستيك بريبيردنس" (Domestic Preparedness) الأمريكية.
ويستغل المتاجرون الأطفال ويبيعونهم إلى عائلات في بلدان أخرى، تحت شعار مساعدة طفل محتاج، وخاصة الفتيات الصغيرات خاصة إلى البلدان التي لا تجرم تزويج القاصرات، ما يعرضهن للاستغلال الجنسي والزواج المبكر بغير رضاهن، فيما قد تتعرض أخريات إلى الاتجار بهن لأغراض جنسية.
وما يجعل النساء أهدافًا سهلة بعد الكوارث هو فقدانهن للمسكن والأسرة، ما يوقع بهن تحت طائلة العوز والفقر، وهي نقطة الضعف التي يستغلها التجار، الذين يجتذبونهن في البداية من خلال توفير المأوى والملبس والمسكن، ويستغلون حاجتهن لذلك، إذ تتحول بعض الملاجئ والمخيمات المؤقتة إلى أماكن يستهدفها المتاجرون بالبشر.
سُجلت عدة حالات للاتجار في البشر في التاريخ الحديث بعد الكوارث الطبيعية، ففي عام 2005، وتحديدًا في شهر أغسطس، وقع بعض الناجين من إعصار كاترينا في ولاية لويزيانا الأمريكية في المصيدة، وتم التعرف على 3750 ناجٍ من الاتجار بالبشر خلال الخمس سنوت التي تلت الإعصار، بحسب "دوميستيك بريبيردنس".
وكشفت المنظمة الدولية للهجرة، أن الرجال الهندوس الذين ذهبوا إلى لويزيانا للعمل، وقعوا ضحايا للاتجار بالبشر بغرض استغلالهم في أعمال غير مدفوعة الأجر.
وفي 2010، بعد الزلزال الذي ضرب هايتي، هُرِّب عدد غير محدد من الأطفال من البلاد للتبني الدولي، بشكل غير قانوني، وفي السياق قال مستشار يونيسف جان لوك لوجران إن نحو 15 طفلًا اختفوا من المستشفيات، ويرجح أنهم خطفوا.
وفي إطار الاستغلال الجنسي، انتشرت إعلانات بعد إعصار هارفي، عام 2017 تعرض أماكن إقامة مجانية على أي "فتيات جميلات يرغبن بكسب بعض المال بسرعة".
وارتفع معدل الاتجار بالبشر في إفريقيا بعد الجفاف عام 2011، في القرن الإفريقي، بحسب "إدارة الأطفال والعائلات"، وهي أحد أقسام وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، كما ارتفع بعد إعصار هايان في العام 2013 في الفلبين.
مخاوف انتشار الأوبئة
وتكثر المخاوف من انتشار الأوبئة بعد الكوارث الطبيعية، بسبب عدم وجود مأوى ملائم للضحايا، وقلة المياه والأدوية، إلى جانب عدم قدرة الكثيرين على تخطي الأزمة وإصابتهم بالأمراض النفسية لهول ما رأوه، إذ يختلف حجم الكارثة وقدرة الشخص على تخطي ما حدث، وخاصة الأطفال.
وكشفت موقع aboutkidshealth، إن التأثير الأكبر للكوارث يكون على الصحة النفسية للأطفال، مشيرًا إلى أن المساعدة الطبية تكون ضرورية عندما تدوم بعض ردود الفعل أطول من المتوقع عادة.
ووجد علماء النفس أن استجابة الفتيان والفتيات للكوارث تكون مختلفة، إذ تعبر الفتيات شفهيًا عن ضيقهن بسهولة أكبر من الفتيان. وربما يطرحن المزيد من الأسئلة وتكون لديهن الأفكار المتكررة أكثر عن الكارثة، فيما يعبّر الفتيان عن غضب أعظم ومزيد من السلوكيات العنيفة، وقد يستغرق استرداد الفتيان عافيتهم وقتًا أطول.