شهد حلف الناتو تحولًا ملحوظًا على مدى الأعوام القليلة الماضية، إذ انتهت فترة من "عدم اليقين" والشكوك المتبادلة بين الدول الأعضاء، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، وبينما شهد العالم تغيرات كبيرة في المشهد الجيوسياسي، تكيف الناتو وأصبح أقوى، واستعرضت المجلة أهم عوامل إحياء الناتو.
الأزمة الروسية الأوكرانية
أدت تلك الأزمة إلى إحياء المهمة الأساسية لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وهي ردع التهديدات، إذ قررت فنلندا والسويد الانضمام إلى التحالف، ما يعزز موقفها في شمال أوروبا، كما دفعت هذه الأزمة أعضاء حلف شمال الأطلسي إلى زيادة نفقاتهم الدفاعية، بما يتماشى بشكل أوثق مع المبادئ التوجيهية للإنفاق الخاصة بالحلف.
صعود الصين
أصبح حلف الناتو بمثابة النقطة المحورية للمناقشات عبر الأطلسي، بشأن التحديات التي يفرضها صعود الصين، ويعترف المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف بالصين باعتبارها تحديًا أمنيًا، ويعمل على تعزيز التعاون الوثيق مع الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.
التكنولوجيا والدفاع السيبراني
وسع حلف الناتو أجندته لتشمل الأمن السيبراني، مع الاعتراف بالاعتماد الاقتصادي على الصين وروسيا من جانب بعض دول الحلف، وتعمل مبادرات مثل "فريق العمل المشترك" بين دول الحلف والاتحاد الأوروبي المعني بمرونة البنية التحتية الحيوية على معالجة نقاط الضعف.
تغيير القيادة في الولايات المتحدة
أدى انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المزيد من العلاقات التعاونية بين الولايات المتحدة وحلفائها، ما أدى إلى تحسين الثقة والتعاون الدوليين.
القدرة الفريدة التي يتمتع بها الناتو
إن قدرة حلف الناتو على التكيف والصمود تميزه عن التحالفات العسكرية الأخرى، وفي حين أن العديد من التحالفات تتفكك عندما تتغير ديناميكيات الأمن الخارجي، فقد تطور حلف شمال الأطلسي، بحيث يتمكن من التصدي للتحديات الأمنية الجديدة بما يتجاوز مهمته الأصلية المتمثلة في ردع الاتحاد السوفييتي.
وفي المقابل، انهارت منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا، التي تأسست خلال الحرب الباردة لمواجهة التوسع الشيوعي في جنوب شرق آسيا، عندما تحولت الديناميكيات الإقليمية، وكان التماسك السياسي لحلف شمال الأطلسي وقيمه المشتركة والتزامه بالديمقراطية من العوامل الحاسمة في صموده، وفق المجلة الأمريكية.
سيناريوهات مستقبل الناتو
وأوضح تحليل "فورين بوليسي" ثلاثة سيناريوهات محتملة يمكن أن تعيد تشكيل مستقبل الناتو:
حلف الناتو الأوروبي فقط
تنسحب الولايات المتحدة من التحالف، وتحول تركيزها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، وهذا السيناريو من شأنه أن يجبر أوروبا على تحمل المسؤولية المنفردة عن الدفاع عنها، وقد يؤدي إلى تفكك الحلف.
الناتو العالمي:
يقوم كل من الحلفاء الأمريكيين وبعض الحلفاء الأوروبيين بتحويل مواردهم إلى آسيا لمواجهة الصين، ما يترك أوروبا عُرضة للتهديدات الروسية، وهذا من شأنه أن يمثل خروجًا كبيرًا عن الالتزامات العالمية السابقة لحلف الناتو.
الناتو المُجزأ:
تتبع الدول الأعضاء استراتيجيات متنوعة، بسبب اختلاف تصورات التهديد، أو مصالح الأعضاء الجدد، أو الضغوط السياسية الداخلية، وهنا ستؤدي توسعة حلف الناتو والتغييرات إلى إضعاف تماسك الحلف.
ورغم أن هذه السيناريوهات قد لا تتحقق بأشكالها المتشددة، إلا أنه يتعين على الحلف أن يستعد لكل منها، ولا ينبغي لنا أن نعتبر وحدة التحالف وقوته الحالية أمرًا مفروغًا منه، في ظل التحديات الناشئة التي يواجهها في مشهد عالمي دائم التغير.