رغم كونها القارة الأكثر اكتظاظًا، حيث تضم نحو 60% من سكان العالم، ومع احتلال ثلاث دول هي الصين والهند وإندونيسيا، المراكز الثلاثة الأولى في قائمة الأكبر في العالم، من حيث عدد السكان، لكن بعض دول آسيا تواجه تحديات ديموجرافية خطيرة، مثل انخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان ونقص النساء، ما يهدد بتغييرات جذرية في التركيبة السكانية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول، قد تؤثر على مستقبلها وعلى مستقبل العالم.
الصين تفقد المركز الأول كأكبر دولة من حيث عدد السكان
ظلت الصين لفترات طويلة هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 1.4 مليار نسمة، ولكنها تراجعت إلى المرتبة الثانية مع بداية هذا العام، لتحل الهند مكانها بعدد سكان قدر بـ1.408 مليار نسمة، حسبما ذكرت الأمم المتحدة.
هذه الأزمة الديموجرافية التي تواجهها الصين ليست وليدة اللحظة، حيث ظهرت بوادرها مع بداية عام 2016 عندما تراجع تعداد سكان الصين بشكل كبير. وتقول الإحصائيات، إن سبب التراجع هو انخفاض معدل المواليد، الذي بلغ 1.15 طفل لكل امرأة في عام 2021، أقل من مستوى التجديد المطلوب (2.1) لتعويض الوفيات.
بالإضافة إلى، ارتفاع تكاليف المعيشة والتعليم والرعاية، ارتفاع سن الزواج والإنجاب، انخفاض نسبة النساء في سن الإنجاب، وتغير المفاهيم والقيم.
وفي أعقاب ذلك، يتوقع فريق أكاديمية شنجهاي للعلوم الاجتماعية تراجعًا متوسطًا على أساس سنوي بنسبة 1.1 في المائة بعد عام 2021، مما قد يؤدي إلى تراجع تعداد سكان الصين إلى 587 مليونًا في عام 2100. كما ستزيد نسبة كبار السن (65 عامًا فأكثر) من 12.6 في المائة في عام 2020 إلى 25.3 في المائة في عام 2050.
ويأتي ذلك، عقب إلغاء سياسة الطفل الواحد في عام 2016، وتطبيق سياسة الأطفال الثلاثة في عام 2020، لتشجيع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال.
ولمواجهة تلك الأزمة، تحاول الحكومة الصينية تشجيع الشباب على الزواج في سن مبكرة عن طريق منحهم مكافآت مالية وإعانات أمومة، للانتهاء من أزمة تقلص عدد السكان، حسبما ذكرت شبكة "جلوبال تايمز" الصينية.
اليابان تواجه تحديات غير مسبوقة بسبب الأزمة الديموجرافية
تعتبر اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر اقتصاد في آسيا، حيث يبلغ إجمالي ناتجها المحلي نحو 5 تريليونات دولار. وبالرغم من ذلك تُعاني طوكيو من أزمة ديموجرافية خانقة، حيث تنخفض معدلات المواليد وترتفع نسبة كبار السن بشكل كبير. حسبما ذكرت وكالة أنباء "كيودو" اليابانية.
ويعتبر معدل المواليد في اليابان هو 1.3 طفل لكل امرأة، أقل من مستوى التجديد المطلوب (2.1) لتعويض الوفيات. مما يعني النقص المستمر في تعداد سكان اليابان بشكل مستمر منذ عام 2008، عندما بلغ ذروته بـ128 مليون نسمة، إلى 126 مليون نسمة في عام 2023. ومن المتوقع، أن ينخفض تعداد سكان اليابان إلى 88 مليون نسمة في عام 2065، وإلى 53 مليون نسمة في عام 2100. وهذا التراجع سيؤدي إلى شيخوخة السكان، حيث تزداد نسبة كبار السن (65 عامًا فأكثر) من 28.4 في المائة في عام 2020 إلى 38.4 في المائة في عام 2065.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، في وقت سابق، إن طوكيو في خطر حقيقي بسبب تقلص عدد السكان، وهو الأمر الذي يهدد القدرة الإنتاجية للبلاد.
كوريا الجنوبية: اقتصاد عملاق يواجه خطر تقلص السكان
تعتبر كوريا هي رابع أكبر اقتصاد في آسيا، ولكنها تعاني من مشكلة انخفاض عدد سكانها، التي قد تؤثر على مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي. حيث تُشير الإحصاءات إلى أن تعداد سكان البلاد انخفض لأول مرة في تاريخها بنسبة 0.18% نهاية عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 12 مليون نسمة فقط بحلول عام 2070. بالإضافة إلى ارتفاع متوسط عمر السكان من 43 عامًا في عام 2023 إلى 62 عامًا في عام 2070.
وبحسب وكالة أنباء كوريا الجنوبية، فإن أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض معدل المواليد هو "شغف التعليم"، الذي يدفع الآباء إلى إنفاق نصف دخلهم على تعليم أطفالهم، والذي يقلل من قدرتهم على تحمل تكاليف إنجاب أكثر من طفل واحد.
فالتطور الاقتصادي السريع والنمو الذي شهدته كوريا في العقود الماضية قد خلق فرصًا لم تكن متوفرة لأجداد أطفال المدارس اليوم، حيث كانت البلاد تعمر من جديد بعد حرب كوريا التي دارت في الفترة من 1950 إلى 1953.
أزمة كبيرة تواجه الاقتصاد العالمي بسبب آسيا
في ظل تصاعد الأزمة الديموجرافية التي تواجهها آسيا، تأثر الاقتصاد العالمي بشكل كبير، حيث إن هناك نقصًا في القوى العاملة والإنتاجية والابتكار والنمو الاقتصادي في الدول الآسيوية المتأثرة، مما يقلل من حجم الطلب والعرض على المستوى الإقليمي والعالمي. حسبما ذكر صندوق النقد الدولي.
بالإضافة إلى، زيادة الضغط على نظام الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية في هذه الدول، مما يزيد من عبء المديونية والعجز المالي، وتغير التركيبة السكانية والاجتماعية في هذه الدول، مما يؤثر على التفضيلات والقيم والثقافة.
ومن منظور سياسي وأمني، فإن هناك تغيرًا في التوازنات السياسية والأمنية في آسيا والعالم، مع تراجع نفوذ بعض الدول وارتفاع نفوذ دول أخرى.