يشكل الواقع الاقتصادي في أوروبا الشرقية، تحديًا للخطاب المناهض للمهاجرين الذي كان بارزًا في المنطقة لفترة طويلة، وعلى الرغم من المعارضة السياسية الطويلة الأمد لخطط الاتحاد الأوروبي بشأن حصص المهاجرين، تواجه دول مثل بولندا والمجر الآن نقصًا كبيرًا في العمالة، وتلجأ إلى العمال الأجانب، وخاصة من آسيا، لسد احتياجاتها في سوق العمل، ولفت هذا التحول في الخطاب انتباه المعارضين السياسيين، ودفع هذه الحكومات إلى إعادة تقييم موقفها من العمالة الأجنبية، وذلك بحسب صحيفة "جابان تايمز" اليابانية.
انتقادات للحكومات بسبب تخفيف القيود
في بولندا، يسعى حزب "القانون والعدالة" إلى الفوز بولاية أخرى في الانتخابات المقبلة، كان هناك تغيير ملحوظ في سياساته، وتخلى الحزب عن خططه لتسريع منح تأشيرات العمال بعد أن واجه انتقادات من المعارضة، وعلى نحو مماثل، يتعرض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي دافع عن السياسات المناهضة للمهاجرين، للانتقادات بسبب استبدال العمال المحليين بعمالة آسيوية أرخص.
شيخوخة السكان
وفرض هذا التحول الواقع الاقتصادي، بسبب النقص المتزايد في العمالة في بلدان أوروبا الشرقية، وعلى الرغم من خطابها السابق المناهض للمهاجرين، فإن هذه الدول تكافح الآن للعثور على عمال لدعم اقتصاداتها، كما أن شيخوخة السكان والوظائف الشاغرة تدفع هذه الحكومات إلى البحث عن حلول خارج حدودها.
المجر وبولندا نموذجا
وتحتاج المجر، على سبيل المثال، إلى تأمين حوالي 500 ألف عامل جديد في غضون عامين لدعم الاستثمارات في مصانع البطاريات بقيمة 15 مليار دولار تقريبًا، وتواجه بولندا أيضًا تحديات عمالية، حيث تقدر مؤسسة التأمين الاجتماعي في البلاد الحاجة إلى ما لا يقل عن 200 ألف مهاجر سنويًا للحفاظ على نسبة السكان في سن العمل الحالية إلى نسبة المتقاعدين.
توترات سياسية
وفي حين أن التغيير في الخطاب يساعد في معالجة نقص العمالة، فإنه يسبب أيضًا توترات سياسية، وفي البلدان التي ركزت في السابق على القومية والمشاعر المعادية للمهاجرين، ينظر البعض إلى الاعتراف بالحاجة إلى العمال الأجانب باعتباره تناقضًا، وعلى سبيل المثال، في بولندا والمجر، تقدم الحكومات الآن العمال الأجانب على أنهم "عمال ضيوف" بدلاً من المهاجرين الذين سيقيمون بشكل دائم، ويُنظر إلى هذا التحول على أنه خطوة استراتيجية للحفاظ على السيطرة على تدفق العمالة مع تلبية الاحتياجات الفورية.
وبسبب تعقد الوضع، تعمل هذه البلدان على الموازنة بين احتياجاتها الاقتصادية ورواياتها السياسية، كما أن التوتر بين الحفاظ على الهوية الوطنية ومعالجة النقص في العمالة يسلط الضوء على التعقيدات التي ينطوي عليها التعامل مع الحقائق الاقتصادية والسياسية، فالإحجام عن تبني سياسات الهجرة بشكل كامل مع الحاجة إلى العمالة الأجنبية يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها العديد من الدول في التكيف مع الظروف المتغيرة.