خلال الفترة الماضية، اكتسبت المناقشات حول تحويل سلاسل توريد الإلكترونيات والحوسبة بعيدًا عن الصين زخمًا، مدفوعة بعوامل مثل قانون الرقائق، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين، وفرض ضوابط على تصدير التكنولوجيا، ورغم تركيز قدر كبير من الاهتمام على التنويع داخل آسيا، فقد تم التغاضي، إلى حد كبير، عن إمكانات المكسيك باعتبارها شريكًا تصنيعيًا لسلسلة توريد أشباه الموصلات، ومع ذلك، ونظرًا لقربها من الولايات المتحدة، وعلاقات التصنيع الحالية، والعلاقات الاقتصادية القوية، يمكن للمكسيك أن تقدم حلاً قيمًا للتخفيف من مخاطر سلسلة التوريد وتعزيز أمن الولايات المتحدة.
نقاط القوة في المكسيك
بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن المكسيك قد لا تكون معروفة بإنتاج التكنولوجيا المتقدمة، إلا أنها تلعب دورًا مهمًا في قطاعات التصنيع المتقدمة مثل السيارات والفضاء والأجهزة الطبية، كما تعد موطنًا لمصانع تجميع وتغليف أشباه الموصلات، ولديها عدد كبير من المستخدمين النهائيين الذين يستخدمون الرقائق بشكل مكثف، وعلاوة على ذلك، تتمتع المكسيك باتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، التي ظلت على حالها رغم التغيرات السياسية المختلفة، كما أن القرب الجغرافي الوثيق والمعابر الحدودية الواسعة بين البلدين يقلل من الاضطرابات اللوجستية.
التحديات والفرص
على الرغم من إمكاناتها، هناك تحديات أمام المكسيك لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سلسلة توريد أشباه الموصلات، إذ تفتقر البلاد إلى شبكة من شركات التكنولوجيا المتقدمة الموجودة في نظيراتها الآسيوية، ما جعل الاستثمارات في هذا القطاع محدودة حتى الآن، وللاستفادة من هذه الفرصة يحتاج القادة المكسيكيون إلى استراتيجية واضحة لجذب الاستثمار في أشباه الموصلات، ويمكن أن يحقق ذلك مميزات لكل من الصناعة المكسيكية ويؤمن سلسلة التوريد الأمريكية .
الوضع الحالي لسلاسل توريد أشباه الموصلات
في الوقت الحالي، تتمتع الولايات المتحدة ونصف الكرة الغربي بحصة محدودة في المراحل النهائية لتصنيع الرقائق، التي تشمل التجميع والاختبار والتعبئة "ATP"، ويتركز الغالبية العظمى من نشاط ATP لأشباه الموصلات في آسيا، وخاصة الصين، ومع تصاعد التوترات بين الصين وشركائها التجاريين، تعيد الشركات النظر في اعتمادها على الصين في تعبئة وتجميع أشباه الموصلات، وفي حين أن إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة يتزايد بسبب "قانون الرقائق"، إلا أن جزءًا كبيرًا من تعبئة وتجميع الرقائق قد لا يزال يتم في مصانع شرق آسيا.
دور المكسيك في سلاسل التوريد
قرب المكسيك من الولايات المتحدة، واندماجها في سلاسل توريد التصنيع الدولية، وشبكتها القوية من الاتفاقيات التجارية، يجعلها شريكًا جذابا لإعادة تشكيل سلسلة توريد أشباه الموصلات، في حين أن بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية تتطلع بالفعل إلى المكسيك لعمليات التجميع، إلا أن بعض التحديات مثل الحصول على المكونات محليًا والافتقار إلى نظام بيئي إلكتروني متطور لا تزال قائمة، لكن يتم بذل الجهود على المستوى الوطني لتطوير إمكانات التصنيع التكنولوجي في المكسيك.
خطوات تعزيز دور المكسيك
ولجعل المكسيك لاعبًا أكثر أهمية في سلسلة توريد أشباه الموصلات، قدمت المجلة الأمريكية عدة توصيات أهمها:
1- وجود استراتيجية واضحة: ينبغي لزعماء المكسيك أن يعملوا على وضع استراتيجية شاملة لجذب الاستثمار في أشباه الموصلات، والاستفادة من مجموعات مصانع الإلكترونيات الدقيقة القائمة وتعزيز التنسيق مع شركات تجميع الأجهزة والصناعات التي تعتمد بشكل مكثف على الرقائق.
2- دعم الولايات المتحدة: يجب على الولايات المتحدة تقديم الدعم من خلال صندوق ITSI التابع لوزارة الخارجية واستكشاف حلول التمويل بالتعاون مع مؤسسة تمويل التنمية ووكالة التجارة والتنمية.
3- التعاون الإقليمي: يجب على الولايات المتحدة والمكسيك وكندا التعاون لتعزيز القدرة التنافسية لأمريكا الشمالية من خلال تحسين البنية التحتية الحدودية وتنفيذ التزامات اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
4- مواجهة التحديات: تحتاج المكسيك إلى مواجهة تحديات مثل جاهزية القوى العاملة، وعدم كفاية البنية التحتية، والمخاوف المتعلقة بسيادة القانون لطمأنة الشركات الأجنبية والمستثمرين.
وبناء على ما سبق فإن التحول في سلاسل توريد أشباه الموصلات والإلكترونيات يمثل فرصة كبيرة للمكسيك، ما يوفر الاستقرار الاقتصادي ويعزز العلاقات السياسية، ونظرًا للمشهد المتغير لتصنيع أشباه الموصلات، يمكن للعديد من البلدان أن تساهم في بناء سلسلة توريد أكثر مرونة، وقرب المكسيك من الولايات المتحدة، وعلاقاتها الصناعية الراسخة، والتكامل الاقتصادي، يجعلها شريكًا قيّمًا في هذه الجهود، ومن خلال الاستفادة من هذه المزايا والتصدي للتحديات، يمكن للمكسيك أن تصبح لاعبًا محوريًا في إعادة تشكيل سلسلة توريد أشباه الموصلات بعيدًا عن الصين.
وتنتج تايوان نسبة 65% من إجمالي إنتاج أشباه الموصلات عالميًا، وتقوم بتصنيع نحو 90% من الرقائق الإلكترونية المتطورة، وتصل نسبة إنتاج الصين لنحو 5%، في حين تُسهم الولايات المتحدة بنسبة تقدر بنحو 10%، وتُعد دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وهولندا مصادر أخرى لهذه المنتجات الحيوية، التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الأجهزة والمعدات الإلكترونية المتنوعة، بدءًا من الكمبيوترات والهواتف الذكية وصولًا إلى حساسات أجهزة الفرامل في السيارات