بينما تسعى الولايات المتحدة بزيارة تجريها، حاليًا، وزيرة التجارة إلى بكين، للعب وفق القواعد مع ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، تباينت آراء محللين صينيين حول لغة خطاب عنوانها "الانفصال" حافظت عليها واشنطن لسنوات، لكن على ما يبدو تتغير، حيث إن أمريكا "لا ترغب في كبح جماح الصين".
وكشفت وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو، عن أن الهدف من زيارتها إلى الصين، يتمثل في تعزيز "المنافسة الصحية" بين البلدين، وفق ما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، اليوم الاثنين.
ورايموندو هي رابع مسؤول أمريكي كبير يسافر إلى الصين خلال الأسابيع العشرة الماضية. وأول وزير تجارة يسافر إلى البلاد منذ سبع سنوات. ومن المقرر أن تستغرق الزيارة أربعة أيام وتستمر حتى يوم الأربعاء.
وتأتي زيارة رايموندو بعد أيام من إعلان وزارة التجارة الأمريكية إزالة 27 كيانًا صينيًا من قائمة مراقبة الصادرات، في خطوة أشادت بها وزارة التجارة الصينية ووصفتها بأنها "تساعد على التجارة الطبيعية" بين أكبر اقتصادين في العالم.
لعب وفق قواعد
وقالت رايموندو للصحفيين قبل مغادرتها متوجهة إلى الصين: "أريد أن أكون واضحة معكم بشأن هدفي من الزيارة، وهو الترويج لمنافسة صحية".
وأوضحت الوزيرة الأمريكية أنها تسعى لأن تكون المنافسة على أرض الملعب متكافئة، ووفق القواعد، حيث في تقديرها إنه في ظل تكافؤ الفرص "لا يمكن لأحد أن يتفوق على الشركات الأمريكية أو العمال الأمريكيين" حسبما نقلت شبكة "إيه بي سي" الأمريكية.
وأضافت رياموندو أن الولايات المتحدة والصين تشتركان في "علاقة اقتصادية ديناميكية ومتنامية كبيرة"، وأن الإدارة تريد أن تنجح الصين.
ورغم ما بدا من انفتاح في تصريحات ريموند، لكن وزيرة التجارة الأمريكية لم تخف خططها الرامية للتأكيد على المصالح المهمة للأمن القومي الأمريكي ضمن خطوط عريضة تعتزم تحديدها خلال زيارتها لبكين تشمل تعزيز المصالح التجارية معها.
انفتاح على التعاون مع بكين
وتأمل رايموندو في إثارة "القضايا التجارية الرئيسية" مع بكين، نيابة عن الشركات والعمال الأمريكيين، وإيجاد حلول لمعالجة المخاوف، على حد تعبيرها.
أوضحت رايموندو أنها استمعت إلى الشركات التي تتحدث عن مدى صعوبة ممارسة الأعمال التجارية في الصين، وتأمل أن تملك بكين تحفظات جوهرية حول ذلك.
رغم ذلك أكدت وزيرة التجارة الأمريكية انفتاح أكثر من 100 من كبار القادة في الصناعة الأمريكية إضافة إلى قادة عماليين رفيعي المستوى، على الفرص من التعاون التجاري مع الصين.
تطور الخطاب الأمريكي
وعلى الرغم من التغير في خطاب حافظت عليه الولايات المتحدة لسنوات، فإن واشنطن لا تزال تسعى إلى "الانفصال عن بكين، ولكن بطريقة تدريجية فقط. في تقدير وانج ييوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رنمين الصينية.
وعزا وانج لشبكة "سي جي تي إن" الصينية، سبب توقف واشنطن عن استخدم لغة "الفصل"، لإحجام حلفاء الولايات المتحدة ومصالح الشركات والمستهلكين الأمريكيين، مضيفًا أن الخطاب الجديد "إزالة المخاطر" هو "فصل لكن في عملية بطيئة" بحد قوله.
وتحدث خبير العلاقات الدولية عن ضغوط كبيرة فرضتها الصناعة الأمريكية على الحكومة، موضحًا أن واشنطن باتت تبحث عن الاسترخاء عندما يتعلق الأمر بالصين وحصة من السوق الصينية، بحد قوله.
أضاف "لذلك ربما تفكر الحكومة الأمريكية في أنه لا يستحق قمع قطاع التكنولوجيا الفائقة في الصين بشكل متهور".
بالمقابل، وجد سون تشنج هاو، الباحث في مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة تسينجهوا، أن من شأن زيارة رايموندو، أن تمهد لجولة أخرى من التفاعل رفيع المستوى بين الصين والولايات المتحدة.
وقال سون لشبكة "سي جي تي إن" الصينية: "هذا يظهر أن التواصل بين الصين والولايات المتحدة لا يزال سلسًا..." مضيفًا "وهذا يفضي بالتأكيد إلى استقرار العلاقات الصينية الأمريكية"، في تقديره.
تبادل تجاري قياسي وعلاقات متوترة
ورغم ضوابط التصدير التي تفرضها الولايات المتحدة، أظهرت البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية في فبراير الماضي، أن حجم تجارة السلع بين الولايات المتحدة والصين بلغ مستوى قياسيًا قدره 690.6 مليار دولار في عام 2022، مع زيادة صادرات السلع إلى الصين بمقدار 2.4. مليار دولار والواردات 31.8 مليار دولار.
والصين هي واحدة من ثلاث دول مع كندا والمكسيك، التي دعمت مشترياتها من السلع والخدمات الأمريكية أكثر من مليون وظيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وفقًا لرصد مجلس الأعمال الأمريكي الصيني.
ووصلت العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2018، عندما أطلق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حربًا تجارية مع الصين، وفرض تعريفات جمركية من جانب واحد على سلع صينية بقيمة تزيد على 300 مليار دولار.
ولم يتخذ الرئيس الحالي جو بايدن، بعد قرارًا بإلغاء أي من الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه، كما وقع مؤخرًا في وقت سابق من هذا الشهر أمرًا تنفيذيًا بمنع الاستثمار الأمريكي في فئات مثل أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة وتقنيات المعلومات الكمية والذكاء الاصطناعي في الصين.
أمريكا بحاجة للحماية لا لكبح الصين
وتأمل رايموندو أن يساعد أسلوب "مباشر وعملي" تتحلى به- بحد تعبيرها- في أن يساعد بشكل جيد في التعبير للصين عن اهتمام الولايات المتحدة، بينما تنتظر أن تتفهم بكين المخاوف الأمريكية.
وقالت رايموندو "لا نريد احتواء الصين أو كبح جماحها. نحن بحاجة إلى الحماية" أوضحت: "نحن بحاجة لحماية أمننا القومي وسنستخدم ضوابط التصدير لدينا إلى أقصى حد ممكن للقيام بذلك" وفق ما نقلت شبكة "إيه بي سي" الأمريكية.