يتصاعد التوتر السياسي بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، إذ حذر كيفن مكارثي، رئيس مجلس النواب الأمريكي، من أن فتح تحقيق في إمكان إقالة الرئيس جو بايدن من منصبه قد يكون "الخطوة الطبيعية".
وفي تصريحات مثيرة للجدل، أكد "مكارثي" أن المعلومات التي توصلت إليها لجان التحقيق في الكونجرس تؤكد وجود "ثقافة فساد" تحيط بالإدارة الحالية بقيادة بايدن.
وأضاف أن الرئيس لم يكن صريحًا حول تورط ابنه هانتر، في قضايا تجارية ملتوية في أثناء عمل والده نائبًا للرئيس الأسبق أوباما.
وعلى مستوى التفاصيل، كشف مكارثي عن تحقيقات تؤكد إنشاء عائلة بايدن لـ20 شركة وهمية، إذ تلقى دفعات مالية من رومانيا عندما كان نائبًا للرئيس.
وأشار رئيس مجلس النواب إلى أن المحكمة رفضت صفقة مواتية مع هانتر بايدن يشتبه في كونها مُحاباة.
وبناء على هذه المعطيات، خلص مكارثي خلال تصرحاته لبرنامج "Sunday Morning Futures" على قناة فوكس نيوز، إلى أن التحقيق في عزل الرئيس جو بايدن أصبح أكثر ترجيحًا، واصفًا إياه بأنه "خطوة طبيعية إلى الأمام"، مع انتهاء الكونجرس قريبًا من إجازته الصيفية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جدية مزاعمه ودوافعه السياسية وراء هذه التصريحات المثيرة للجدل.
فساد عائلي
تركزت مزاعم الفساد التي يثيرها الجمهوريون حول تعاملات هانتر بايدن التجارية في الخارج، تحديدًا مع شركات بأوكرانيا ورومانيا في أثناء فترة تولي والده منصب نائب الرئيس.
وأخبر مكارثي، شون هانيتي من قناة "فوكس نيوز"، في وقت سابق، بأن بايدن لم يكن صادقًا بشأن تورطه في المعاملات التجارية الخارجية لابنه هانتر.
وتأتي تعليقاته بعد أن صرّح ديفون آرتشر، الشريك التجاري السابق لهانتر بايدن، في يوليو أمام لجنة الرقابة بمجلس النواب في جلسة استماع مغلقة، بأن نجل الرئيس وضع والده على مكبر الصوت في أثناء مكالمات العمل خلال مناسبات متعددة.
وعمل آرتشر سابقًا كعضو مجلس إدارة في شركة "بوريسما هولدينجز"، وهي شركة للطاقة مقرها أوكرانيا، جنبًا إلى جنب مع هانتر بايدن وشارك معه أيضًا في تأسيس شركة "روزمونت سينيكا".
وزعمت التحقيقات أن عائلة بايدن أنشأت 20 شركة وهمية في هولندا وجزر كايمان، بهدف إخفاء تدفق ملايين الدولارات من هذه الشركات، مثل شركة بوريسما الأوكرانية للطاقة التي كان هانتر عضوًا في مجلس إدارتها.
كما تحدثت التحقيقات عن تلقي عائلة بايدن لـ16 من 17 دفعة مالية من رومانيا غير مبررة بقيمة ملايين الدولارات، خلال فترة عمل جو بايدن نائبًا للرئيس. وهو ما دفع بالجمهوريين للشك في وجود تأثير غير مباشر لمنصب بايدن على تعاملات ابنه التجارية الخارجية.
وأشار رئيس مجلس النواب، خلال حديثه لشبكة فوكس نيوز، إلى أن الأموال تدفقت إلى تسعة أفراد من العائلة في أثناء تولي بايدن منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما".
وجاء في هذا السياق أيضًا الادعاء بأن هانتر بايدن وضع والده جو بايدن على خط الهاتف في أثناء مكالمات تجارية مع شركات أجنبية، حسبما جاء في شهادة ديفون آرتشر، الشريك السابق لهانتر في إحدى الشركات.
وعلى الرغم من نفي البيت الأبيض لهذه الاتهامات، إلا أنها بقيت محور تركيز حملات الجمهوريين الاتهامية ضد إدارة بايدن.
وأكدت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، أن الرئيس "لم يكن يعمل أبدًا مع ابنه"، لكنها لم تصل إلى حد الإجابة عما إذا كان قد تم وضعه على مكبر الصوت في أثناء قيام ابنه بأعماله.
ومن هنا جاءت تصريحات مكارثي بأن مزاعم الفساد تتطلب فتح تحقيق رسمي في إمكان إقالة الرئيس.
ردود الفعل السياسية
استقبل الديمقراطيون تحذيرات مكارثي بالسخرية واعتبروها محاولة لتعزيز الانقسامات السياسية دون أساس واقعي.
غير أن بعض قوى الحزب الجمهوري أيدت التحقيق، مثل النائبتان لورين بوبرت ومارجوري تايلور جرين، اللتين دشنتا من قبل محاولة لإقالة بايدن في أولى أيام توليه الرئاسة.
وكتبت ممثلة كولورادو لورين بوبرت على موقع أكس "تويتر سابقًا"، الشهر الماضي: "يتحدث رئيس مجلس النواب الآن عن المساءلة. لقد ارتفع فساد بايدن إلى مستوى لا يوجد أي رد آخر يمكن توجيهه ضده".
وبالنسبة للمرشحين الجمهوريين المحتملين للرئاسة في انتخابات 2024، فقد تجنب معظمهم دعم الخطوة بشكل علني، ربما خوفًا من تعقيد وضعهم قبل الانتخابات.
إلا أن مكارثي بصفته الزعيم الحالي للجمهوريين بالكونجرس حظى بدعم غالبية القاعدة المحافظة.
التحديات القانونية
قانونيًا، فإن عملية إقالة الرئيس تحتاج إلى أغلبية بسيطة في مجلس النواب عبر إقرار "مواد إقالة" تتهمه بجرائم خطيرة أو مخالفات.
وحتى لو مرت خلال مجلس النواب، فإن إقالته الفعلية تتطلب الأغلبية المطلقة في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية أيضًا.
لذا فإن الكثيرين يشككون في جدوى العملية من الناحية العملية، ما يثير تساؤلات حول دوافع مكارثي السياسية وراء مثل هذه الخطوة المثيرة للجدل.
الدوافع السياسية
إحدى النظريات السائدة هي أن مكارثي يسعى للضغط على الإدارة الحالية ورفع حجم الانتقادات الموجهة لها قبل الانتخابات الرئاسية المزمع انعقادها في 2024.
كما أن تصاعد حدة اللهجة ضد بايدن من شأنه تعزيز مكانته كزعيم للمحافظين داخل الحزب وجذب الناخبين المحافظين إليه.
وقال المحلل السياسي والأستاذ بجامعة ديلارد روبرت كولينز لمجلة نيوزويك، إن كيفن مكارثي يواجه ضغوطًا من الجناح الأكثر محافظة في حزبه لبدء تحقيق رسمي لمساءلة الرئيس.
إلا أن البعض يرى في هذه الخطوة بداية لتقديم تحديات في المستقبل للرئيس بايدن، بما يضعف حظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
التداعيات على الساحة السياسية
من المتوقع أن تعزز مثل هذه الخطوات من روح التناحر والانقسام بين الطرفين في واشنطن، ما سيزيد من شلل العمل التشريعي وعجز الإدارة عن تنفيذ برامجها.
كما أن اللجوء لمثل هذه الخطوات غير العملية من شأنه تعميق الشكوك العامة بفساد الممارسات السياسية وانخفاض الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
ومن جهة أخرى، يرى البعض أن مثل هذه الإجراءات قد تشكل تهديدًا حقيقيًا للوحدة الوطنية والاستقرار السياسي في البلاد، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية والأمنية الخارجية التي تواجهها إدارة بايدن.