عادت محطة فوكوشيما النووية للواجهة مرة أخرى، بعد أن أعلنت الحكومة اليابانية خطتها لإفراغ ما يتجاوز مليون طن من مياه التبريد المشعة، الناتجة عن الكارثة النووية عام 2011 في المحيط الهادئ.
وتأتي هذه الخطوة بعد 12 عامًا من الجدل حول كيفية التخلص من هذه المياه المشبعة بمواد مشعة، يتم تجميعها وتخزينها في آلاف خزانات التبريد حول المحطة.
خطة تصريف مياه فوكوشيما
بعد سنوات من النقاش والتردد، أقرت الحكومة اليابانية في سبتمبر 2022 خطة نهائية للتخلص من أكثر من مليون طن من المياه المشعة المخزنة في حوض محطة فوكوشيما المدمرة، وتتضمن إزالة المواد المشعة من المياه عبر عملية "تنقية" مكثفة باستخدام تقنية "ALPS"، قبل أن تطلق المياه المعالجة للمحيط، وفقًا لتقرير شبكة "يو إس نيوز".
من المقرر أن تبدأ اليابان عملية التفريغ من محطة فوكوشيما رقم 1 للطاقة النووية اليوم الخميس، وهي خطوة رئيسية في عملية وقف تشغيل المفاعلات التي ضربها الانهيار الثلاثي في أعقاب تسونامي مارس 2011.
وتخطط شركة طوكيو للطاقة الكهربائية القابضة (تيبكو)، مشغل المحطة، لبدء إطلاق المياه في الساعة الواحدة ظهرًا، بحسب التوقيت المحلي، وفقًا لما ذكرت وكالة كيودو للأنباء.
وأقرت الحكومة بأن نسبة المواد المشعة في المياه ستكون أقل من الحد القانوني المسموح به قبل صرفها في البحر. كما أكدت أن تأثيرها على البيئة والصحة العامة سيكون "ضئيلاً"، معتمدة في قرارها على آراء الوكالات التنظيمية والخبراء اليابانيين.
معارضة محلية ودولية
رغم موافقة الحكومة على الخطة إلا أنها أثارت موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية داخل اليابان، إذ يخشى العديد من الصيادين وسكان المناطق الساحلية القريبة من مخاطر تلوث المياه والأسماك، بحسب وسائل إعلام محلية.
كما أبدت دول مجاورة مثل كوريا الجنوبية والصين تحفظاتها، خشية انتقال المواد المشعة إلى مياهها الإقليمية، وطالبة بإجراء دراسات مستقلة أولًا.
وعلى الصعيد الدولي، حذرت وكالات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن عملية إطلاق المياه قد تشكل "إجهادًا إضافيًا" للبيئة البحرية. فيما طالبت منظمات بيئية باعتماد خيارات بديلة.
آراء الخبراء
أكد خبراء يابانيون أن تركيز المواد المشعة في المياه سيكون "آمنًا" بعد المعالجة، وأشاروا إلى سجل اليابان النظيف نسبيًا في صناعة الطاقة النووية.
لكن آخرين يرون أن عملية الإطلاق قد تشكل ضغطًا على النظم البيئية البحرية الحساسة، لا سيما في حال ارتفاع مستويات الإشعاع في المستقبل، مطالبين بإجراء مزيد من التقييمات البيئية الشاملة.
وبينما تؤكد الحكومة عزمها على المضي قدمًا، إلا أن الخلافات تبقى قائمة حول أكبر قرار بيئي يتخذ منذ الكارثة النووية قبل 12 عامًا، إذ ما زالت اليابان تواجه تحديات كبرى في التعامل مع إرث فوكوشيما طويل الأمد.
حلول بديلة مطروحة
أمام الخلافات القائمة بشأن مصير المياه المشعة، تقدم بعض الأصوات حلولًا بديلة قابلة للتنفيذ، أحدها تخزين المياه لفترة أطول حتى يتم تطوير تقنيات معالجة أفضل وأكثر تطورًا، وفقًا لصحيفة "جابان تايمز ".
بالإضافة إلى ذلك، يُمكن اعتبار التبخر الطبيعي لجزء من المياه المشعة بتطبيق إجراءات أمنية صارمة للحد من التلوث، كما يُمكن حقن المياه في طبقات أرضية عميقة بعيدًا عن المياه الجوفية، وذلك للحفاظ على سلامة المصادر المائية العذبة، وباستخدام تقنيات التبخير الصناعي المتقدمة، يُمكن تحويل المياه المشعة إلى بخار ورماد صلب.
يشدد بعض خبراء الطاقة الذرية على إمكانية تنفيذ بعض هذه الخيارات بأمان ودون تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة، إلى جانب ذلك ستتيح هذه الحلول البديلة وقتًا إضافيًا لإجراء دراسات معمقة لتقييم الآثار والمخاطر المحتملة.
كارثة فوكوشيما
يذكر أن محطة فوكوشيما شهدت أحد أخطر الكوارث النووية في التاريخ بعد تأثرها بزلزال قوته 9 درجات وتسونامي ضربا اليابان في 11 مارس 2011.
وتسبب الزلزال بأضرار بالغة في المفاعلات مما أدى إلى انهيارات وانفجارات ناجمة عن حرائق الوقود النووي، كما تسربت كميات هائلة من المواد المشعة إلى المحيط المجاور.
منذ ذلك الحين، يتم الاستمرار في تبريد مباني المفاعلات المتضررة عن طريق ضخ مياه نقية للحد من ارتفاع درجات الحرارة، وأدى ذلك إلى تراكم 1.25 مليون طن من المياه المشعة بحلول بداية العام الحالي.
وتقوم الحكومة اليابانية بتخزين هذه المياه المشعة في آلاف خزانات التبريد المؤقتة حول الموقع، إلا أن المخاوف ما زالت قائمة بشأن استمرار هذا الوضع طويل الأجل.
ولهذا اقترحت شركة تيبكو ووافقت عليها الحكومة خطة إفراغ المياه المعالجة وإزالة معظم المواد المشعة منها في البحر بحلول عام 2023، وهو ما أثار الجدل في اليابان وداخل المجتمع الدولي.