جدل عالمي صاحب إعلان اليابان عن خطتها لتصريف مياه محطة فوكوشيما النووية في المحيط الهادئ، بين قلق ورفض ومخاوف من آثار بيئية قد تمتد لأجيال، فيما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة -التي وافقت على عملية التصريف، بعد نحو عامين من المراجعة- إن تأثير العملية على البيئة "لا يذكر".
خلاف بين الخبراء
فيما كشف رافائيل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اليوم الجمعة، عن وجود مخاوف لدى واحد أو اثنين من فريق الخبراء الدوليين المشاركين في تقرير الوكالة، الذي يعطي الضوء الأخضر لصرف اليابان لمياه المحطة المعطلة، إلا إنه أكد أن أيًا من الخبراء لم يبلغه بمخاوفه بشكل مباشر، بحسب "رويترز".
وقالت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، إن ليو سنلين، وهو خبير صيني في مجموعة العمل الفنية التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، شعر بخيبة أمل إزاء التقرير الذي وصفه بـ"المتسرع"، وقال إن إسهامات الخبراء فيه محدودة.
وجاء تقرير الوكالة الدولية بالموافقة لليابان، بعد بحث بدأ في عام 2021، لخطة تصريف المياه التي تكفي لملء 500 حوض سباحة بحجم أولمبي من المحطة التي دمرتها أمواج "تسونامي" قبل نحو 10 سنوات.
1.33 مليون طن مياه ملوثة
وتستعد طوكيو للتخلص من نحو 1.33 مليون طن من المياه الملوثة المخزنة في موقع المحطة الذي اقترب من بلوغ حده الأقصى، بإلقائها في المحيط بعد معالجتها وتخفيف كثافتها، ولكنها لم تعلن عن جدول زمني لعملية إطلاق المياه.
مخاوف ومخاطر
تقول شركة "تيبكو" إن مياه الصرف المشعة تحتوي على بعض العناصر الخطرة، ولكن يمكن إزالة معظمها من الماء، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في التريتيوم والذي يستحيل إزالته حاليًا، لعدم وجود تقنية متاحة لهذا الغرض، ومع ذلك تجادل الحكومة اليابانية وشركة تيبكو، بأن التريتيوم يحدث بشكل طبيعي في البيئة، من الأمطار إلى مياه البحر وحتى داخل جسم الإنسان، وبالتالي فإن إطلاق كميات صغيرة منه في البحر يجب أن يكون آمنًا.
ورغم تطمينات الحكومة اليابانية وتصريح الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تنقسم آراء الخبراء حول المخاطر المحتملة لعملية تصريف المياه، وقالت لجنة الأمان النووي الكندية أن التريتيوم نفسه أضعف من أن يخترق الجلد، لكنه قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان إذا تم تناوله "بكميات كبيرة للغاية".
ووصف روبرت إتش. ريتشموند، مدير مختبر كيوالو البحري في جامعة هاواي في مانوا -وهو عضو بمجموعة دولية من العلماء الذين يعملون مع منتدى جزر المحيط الهادئ لتقييم خطة إطلاق مياه الصرف الصحي- الخطة بأنها "متهورة"، وسابقة لأوانها.
وبحسب "سي إن إن"، قال "ريتشموند" إن إحدى المشكلات تتمثل في أن تخفيف المياه العادمة قد لا يكون كافيًا لتقليل تأثيرها على النباتات والحيوانات البحرية، موضحًا أن الملوثات مثل التريتيوم يمكن أن تمر عبر مستويات مختلفة من السلسلة الغذائية، بما في ذلك النباتات والحيوانات والبكتيريا، وأنها "تتراكم أحيائيًا"، مما يعني أنها ستتراكم في النظام البيئي البحري.
لن تقتصر المخاطر المحتملة على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ وجدت دراسة أجريت عام 2012 دليلاً على أن التونة ذات الزعانف الزرقاء تحمل النويدات المشعة، وهي نظائر مشعة مماثلة لتلك الموجودة في مياه الصرف الصحي في فوكوشيما، عبر المحيط الهادئ إلى كاليفورنيا، وفقًا لتقرير "سي إن إن".
رفض صيني
الصين كانت أبرز الرافضين للخطوة اليابانية، واتهمتها باختيار خطة التصريف ذات التكلفة الأقل، لتفاقم مخاطر نقل التلوث النووي إلى باقي العالم، وتعرض حياة الشعوب وصحتها للخطر، وانتقدت تقرير الوكالة الدولية، مؤكدة أنها لا يجب أن تصادق على خطة تشكل خطرًا على الحياه البحرية وصحة الإنسان.
وقال وانج ون بين، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إن بلاده تحث اليابان على التصرف بمسؤولية من أجل البيئة البحرية وحياة الشعوب، وأن تتوقف عن الخطة المزمعة، والتي تنطوي على مخاطر لا يمكن التنبؤ بها على المجتمع الدولي.
وقالت وكالة "شينخوا"، إن الجمعيات التعاونية لمصائد الأسماك وغيرها في اليابان ستقدم شكوى موقعة من 33 ألف شخص إلى شركة طوكيو للكهرباء، لرفض خطة التصريف.
واتهم المتحدث باسم الخارجية الصينية، اليابان، باختيار خطة التصريف ذات التكلفة الأقل بين كل الخيارات، لتنقل مخاطر التلوث النووي لباقي العالم، مشيرا إلى أن اليابان لم تتشاور مع المجتمع الدولي والأطراف المعنية.
وقال إن خطة اليابان كانت معدة مسبقًا، وكان طلب الاستعراض والتقييم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم يكن سوى مسرحية بسبب الضغط المحلي والدولي.
الصين تمنع استيراد الأغذية من مناطق يابانية
وفي أول رد فعل بعد الموافقة من قبل الوكالة الدولية، قالت الجمارك الصينية اليوم، إنها ستمنع استيراد المواد الغذائية من 10 مناطق يابانية، وأكدت أنها ستجري اختبارات إشعاعية صارمة على المواد الغذائية من بقية أنحاء اليابان، إلا إنها لم تكشف المناطق اليابانية التي سيطالها الحظر.
تقرير الطاقة الذرية
خلص تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن خطط اليابان متوافقة مع معايير الأمان الصادرة عن الوكالة، وأن تأثير عملية التصريف الإشعاعي على الناس والبيئة ضئيل إلى حد يمكن إهماله.
وأوضحت الوكالة عبر موقعها الإلكتروني، أن التقرير هو نتيجة عمل اضطلعت به فرقة عمل تابعة لها على مدار عامين، ونقلت عن "جروسي" قوله إن الوكالة خلصت إلى توافق النهج المتبع، وتصريف المياه المعالجة بنظام "آلبس" في البحر، مع معايير الأمان الدولية، مشيرًا إلى أن العملية ستتم بشكل تدريجي وبطريقة متحكم فيها، وفقًا لخطة شركة "تيبكو".
وأوضحت الوكالة الدولية أن المياه المخزنة في محطة فوكوشيما، خضعت للمعالجة باستخدام نظام "آلبس"، من أجل إزالة النشاط الإشعاعي تقريبًا، فيما عدا التريتيوم. وقبل بدء التصريف ستعمل اليابان على تخفيف المياه بحيث يصل تركيزه دون المستويات المنصوص عليها في المعايير الرقابية.
دعم كوريا الجنوبية
أعلنت حكومة كوريا الجنوبية، اليوم الجمعة، أنها توصلت إلى أن خطة اليابان، لتصريف مياه "فوكوشيما"، تفي بمعايير وأهداف تصريف المياه، ومعايير السلامة الدولية، كاشفة أن الاستنتاج جاء في تقرير علمي شامل، صدر اليوم الجمعة، بعد مراجعة لمدة عامين أجرتها "سول".
وأوضحت كوريا الجنوبية، أنها فحصت الموقع من قبل فريق من الخبراء الكوريين الجنوبيين، بحسب شبكة "كيه.بي.إس.وورلد" الإذاعية الكورية الجنوبية.
وقالت الحكومة الكورية الجنوبية، إن التيارات البحرية ستفرق المياه الملوثة، وبالتالي فإن المياه المشعة، ستصبح غير قابلة للاكتشاف تقريبًا على شواطئ كوريا الجنوبية، وأن مستوى التركيز سيبقى ضمن الحد المقبول.
ورغم ذلك، أكد وزير تنسيق السياسات الحكومية بانج مون-كيو، أن الحكومة الكورية لن ترفع الحظر عن استيراد المنتجات السمكية من منطقة فوكوشيما، إذ تحظر كوريا جميع الواردات من المنتجات السمكية من 8 مناطق يابانية منذ 2013 خوفًا من مستويات الإشعاع عقب الأضرار التي لحقت بالمحطة النووية في 2011.
ما الذي حدث في فوكوشيما؟
في 11 مارس 2011 تعرضت السواحل اليابانية الشمالية الشرقية لهزة أرضية بقوة 9 درجات تسببت في تسونامي بلغ ارتفاع أمواجه 15 مترًا، ورغم أن المحطة النووية تمكنت من تحمل قوة الزلزال، بسبب نظام الطوارئ، إلا إنها تكبدت أضرارًا جسيمة.
وأدى التسونامي، إلى تعطل نظام التبريد في المحطة، ما تسبب بأسوأ كارثة نووية منذ تشرنوبيل في عام 1986، وتسربت أطنان من المواد المشعة.
وأسفرت الكارثة عن وفاة 18500 شخص، بسبب الزلزال والتسونامي، وتم إجلاء 160 ألفًا عن ديارهم بسبب الدمار ومخاطر الإشعاعات النووية.