بعد مفاوضات مكثفة، اختتمت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "COP27"، باتفاق صعب بشأن آلية تمويل لتعويض الدول المتضررة عن "الخسائر والأضرار" الناجمة عن الكوارث التي يسببها المناخ، في خطوة أولى قادتها مصر نحو ضرورة سماع أصوات الدول على الخطوط الأمامية في مواجهة التغير المناخي.
من العرقلة إلى الانفراجة
بعد مفاوضات طويلة وصعبة تجاوزت موعدي الجمعة والسبت لانتهاء المؤتمر، الذي بدأ في 6 نوفمبر الجاري، جاء الاتفاق بين المندوبين من نحو 200 دولة، دون اعتراض، خلال جلسة عامة، بعد جهود قادتها الدولة المصرية لإنجاز الأمر والتكريس لأهمية التنفيذ، وأعلن سامح شكري، وزير الخارجية المصري ورئيس المؤتمر، اعتماد قرار إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، لأول مرة، بعد مشاورات مطولة ودقيقة، معتبرًا القرار "إنجاز تاريخي بعد 27 عامًا من التناول والمطالبات من الدول الإفريقية والنامية، ونجاح للمؤتمر والدول الأطراف ولمصر التي ترأست المؤتمر".
من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة إن ما حدث "بمثابة إشارة سياسية تشتد الحاجة إليها لإعادة بناء الثقة المنهارة"، مؤكدًا أن منظومة الأمم المتحدة ستدعم الجهد في كل خطوة على الطريق.
الاتفاق
وبند "الخسائر والأضرار" المدرج مسبقًا على أجندة القمة، يتضمن حثّ دول كبرى منها، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، أكبر دولتين في إصدار الغازات الملوثة التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للكوكب، والدول الأوروبية الصناعية، على تقديم تمويلات إلى البلدان الأقل نموًا، التي تعاني من فيضانات وموجات حر وجفاف وارتفاع منسوب البحار وكوارث أخرى بسبب تغير المناخ، ومن المقرر أن تُحدّد تفاصيل آلية عمل هذا الصندوق لاحقًا، بهدف إقرارها في المؤتمر المقبل في الإمارات نهاية 2023.
خطوة نحو العدالة
رحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار، في رسالة مصوّرة أصدرها من مكان انعقاد المؤتمر، قال:"اتخذ مؤتمر الأطراف هذا. خطوة مهمة نحو العدالة. أرحب بقرار إنشاء صندوق الخسائر والأضرار وتفعيله في الفترة المقبلة".
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة على الحاجة إلى الوفاء بالوعد الذي طال انتظاره بتقديم 100 مليار دولار سنويًا لتمويل المناخ للبلدان النامية، وتوضيح خارطة طريق تتمتع بالمصداقية لمضاعفة تمويل التكيّف.
الإشادة بالاتفاق
اُعتبر الاتفاق، الذي لاقى إشادة واسعة، انتصارًا صريحًا للرد على التأثير المدمر الذي يحدثه الاحترار العالمي بالبلدان المعرضة للخطر، لاسيما بعد مقاومة سابقة قادتها الولايات المتحدة لمشروع إنشاء الدول الغنية لصندوق مالي، يخصص تعويضات مالية للبلدان النامية التي تعاني من آثار التغيرات المناخية، ورحّبت منظمة السلام الأخضر "جرينبيس"، وهي منظمة بيئية دولية معنية بقضايا المناخ، بإجماع الوفود المفاوضة في قمة الأطراف، على إنشاء صندوق تمويل الخسائر والأضرار المناخية، واعتبرته "يمثل خطوة أولى أساسية في الطريق نحو تحقيق العدالة المناخية".
وقال رئيس وفد "جرينبيس" للمؤتمر والمدير التنفيذي للمنظمة في جنوب شرق آسيا، يب سانو: يمثل الاتفاق على إنشاء صندوق خاص لتمويل الخسائر والأضرار فجرًا جديدًا للعدالة المناخية، لقد وضعت الحكومات حجر الزاوية لصندوق جديد طال انتظاره لتقديم الدعم الحيوي للدول والمجتمعات الأكثر تأثرًا، والتي تعاني بالفعل جراء الآثار المدمرة والمتسارعة لأزمة المناخ.
"مفهوم الخسائر".. طريق من الرفض حتى بلغ أرض مصر
ظهر مفهوم "الخسائر والأضرار" لأول مرة أثناء صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في 1991، بناء على اقتراح من تحالف الدول الجزرية الصغيرة؛ وهي منظمة حكومية دولية للبلدان الساحلية المنخفضة والبلدان الجزرية الصغيرة، بهدف إنشاء خطة لتأمين توفير الموارد المالية للدول التي تأثرت من ارتفاع مستوى سطح البحر، على أن تساهم فيها كل دولة على أساس مساهمتها في نسبة الانبعاثات، وتم رفض الاقتراح، وعاد المصطلح للظهور مرة أخرى في محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ عام 2007، كجزء من خطة عمل "بالي" دون جدوى، ثم طرحت مرة أخرى في 2013 عندما شكلت الأطراف" آلية وارسو" الدولية بشأن الخسائر والأضرار، وقد ضمت اللجنة 10 أعضاء من الدول النامية و10 من الدول المتقدمة؛ لتبادل ضمن آلية لا تمتلك سلطة في تقديم تمويل للدول المتضررة.
ولم يتم التوصل إلى توافق وقت أن دعت الدول النامية في قمة "كوب 25" إلى تعزيز دورها وتقديم التمويل لتقليل الخسائر والأضرار ومعالجتها، ومن ثم دعا تحالف كبير من الدول المتضررة إلى إنشاء صندوق مخصص للخسائر والأضرار خلال قمة جلاسكو "كوب 26" عام 2021، مدفوعة بغياب التزام الدول للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وتقليل استخدام الوقود الأحفوري، وتم رفض المقترح من الدول المتقدمة وقتها.
وبإدراج بند "الخسائر والأضرار" وتفعيله في صيغة صندوق يتلقى دعمًا ماليًا تعوض من خلاله الدول النامية والفقيرة الأكثر تاثرًا بالانبعاثات وتبعاتها من التغيرات المناخية عن خسائرها وما لحق بها من أضرار، يمكن القول إن الرئاسة المصرية لقمة (COP27) اقتنصت للدول النامية لاسيما في القارة الإفريقية الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي فرصة جادة لتحقيق العدالة المناخية.