حالة من الجدل والانقسام في الولايات المتحدة، أثارتها الخطة المبدئية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لفك الحظر عن 6 مليارات دولار من الأموال لإيران، مقابل الإفراج عن خمسة سجناء أمريكيين.
وأفادت مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، الثلاثاء الماضي، أن إدارة بايدن تعمل في الأسابيع الأخيرة لتزويد إيران بإمكانية الوصول إلى ما لا يقل عن 16 مليار دولار من الأصول المجمدة، بما في ذلك 6 مليارات دولار من كوريا الجنوبية.
وكتبت المؤسسة الأمريكية في تقرير، أنه بالإضافة إلى 6 مليارات دولار في كوريا الجنوبية التي سيتم الإفراج عنها في إطار اتفاق تبادل السجناء بين البلدين، فإن 10 مليارات دولار أخرى محتفظ بها في العراق، لسداد ديون بغداد لطهران.
يقول المعارضون لتلك الخطوة، إن الاتفاق يجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة ويؤكدون أن الأموال قد تؤدي في النهاية إلى تمويل الجيش الإيراني، الذي استولى على ناقلات أمريكية ودعّم الجماعات المسلحة التي هاجمت القوات الأمريكية، حسب تقرير نشرته صحيفة" ذا هيل" الأمريكية.
ويرى المؤيدون أنها صفقة مهمة من شأنها أن تحرر المواطنين الأمريكيين المحتجزين، وذلك قد يؤدي إلى مزيد من التقدم الملموس مع طهران في المستقبل، مثل إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
ونقلت" ذا هيل" عن أليكس فاتانكا، المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، إن آليات الصفقة ستجعل من الصعب على إيران استخدام الأموال لأي شيء غير الأغراض الإنسانية، كما شدد على أن الاتفاق حيوي لتخفيف التوترات بين واشنطن وطهران.
وجمدت واشنطن في 2018، 6 مليارات دولار من إيرادات بيع إيران للنفط إلى كوريا الجنوبية بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي خففت العقوبات على طهران مقابل التزامات بعدم القيام بتطوير أسلحة نووية.
وبذلت إدارة بايدن جهودًا دبلوماسية أكبر مع إيران، بما في ذلك محاولات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. في الوقت نفسه، لطالما أرادت "سول" الإفراج عن الأموال لمواصلة شراء النفط من طهران، ودفعت الولايات المتحدة للإفراج عن الرهائن الأمريكيين في الخارج التي تعتبرهم محتجزين ظلمًا.
الرهائن الأمريكيون الخمسة الذين سيتم إطلاق سراحهم كجزء من الصفقة، أصدرت إيران ضدهم أحكامًا بالسجن لمدة 10 سنوات، بتهم تتعلق بالتجسس، وصفتها الولايات المتحدة بأنها مشكوك فيها.
وترى صحيفة "ذا تليجراف" البريطانية، أن الرئيس الأمريكي يسعى من خلال تلك الصفقة المزمعة، إلى خفض التوتر مع إيران، ومن ثم تحقيق انتصار لسياسته الخارجية في الشرق الأوسط، قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها العام المقبل 2024.
ولفتت الصحيفة البريطانية، إلى تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة تضغط على إيران لوقف إرسال طائرات بدون طيار إلى روسيا، كجزء من اتفاقية غير رسمية أوسع نطاقًا، من شأنها أن تسعى أيضا إلى تهدئة الاحتكاك في الشرق الأوسط بين إسرائيل ووكلاء إيران في المنطقة.
ويقال أيضًا إن الرئيس بايدن يسعى للحصول على تنازلات من إيران بشأن تخصيب اليورانيوم، وقد يوقف فرض عقوبات جديدة على طهران، فيما وصفه بعض المسؤولين بأنه "اتفاق مؤقت" بشأن الأزمة النووية.
وحسب "ذا تليجراف"، قد يمهد هذا الأساس لمزيد من المحادثات المكثفة حول العودة إلى الاتفاق النووي الذي كان قائمًا في عهد أوباما، والذي خفف العقوبات على طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
ونقلت الصحيفة عن الخبراء، إن فورة النشاط الأمريكي بشأن الملف الإيراني، كانت مدفوعة إلى حد كبير برغبة بايدن في إظهار قدرته على الفوز بتنازلات من طهران.
ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت الاتفاقات الصغيرة نسبيًا، ستؤدي إلى أي تقدم جوهري في القضية الأكثر تعقيدًا وإلحاحًا في برنامج طهران النووي.
وقالت سنام وكيل، مدير برنامج تشاثام هاوس للشرق الأوسط، لـ"ذا تليجراف": "التطور الأخير الوحيد حتى الآن، هو اتفاق للإفراج عن الرهائن مقابل وصول إيران إلى احتياطياتها الأجنبية في ظل قيود تديرها الدوحة".
وأضافت سنام وكيل، في إشارة إلى الاتفاق النووي: "هناك جهود قنوات خلفية جارية للتوصل إلى تفاهم نووي، لكن ذلك لن يكون أقرب إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة".
ويشكك بعض الخبراء أيضًا- والحديث لـ "ذا تليجراف"- في أن 6 مليارات دولار من الأصول المجمدة، الموجودة حاليًا في كوريا الجنوبية، يمكن أن تستخدمها إيران كـ"شريان حياة" اقتصادي لحليفها الرئيسي سوريا.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن تشارلز ليستر مدير معهد الشرق الأوسط، إن "توقيت اتفاق إدارة بايدن مع إيران من المحتمل أن يكون مهمًا للغاية".
وقال "ليستر" في تغريدة هذا الأسبوع: "الأسد يحتاج إلى شريان حياة اقتصادي، وإيران فقط هي التي يمكنها الآن القيام بذلك".
وترى صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن تبادل الأسرى الناجح قد يساعد في بناء درجة من الثقة المفقودة بين الأمريكيين والإيرانيين، وقد تدعم جهود احتواء الأزمة النووية التي تغلي بشكل خطير منذ أن تخلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من جانب واحد عن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي وقعته طهران مع القوى العالمية.
كما راسل لوكاس، يرى متخصص العلاقات الدولية والسياسة في الشرق الأوسط بجامعة ولاية ميتشجان، أن الأمر قد ينتهي بصفقة لمرة واحدة، لكنها ستبدأ في تخفيف التوترات في المنطقة، وقد تسهل مزيدًا من الدبلوماسية في المستقبل، لأنه في النهاية لا يوجد حل عسكري تستطيع الولايات المتحدة القيام به بحيث يكون قادرًا على تغيير سلوك إيران بشكل كبير.
لكن الصفقة المتوقعة قد تكون علامة أخرى مقلقة للجمهوريين الذين يعارضون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي يشار إليها بالاتفاق النووي الإيراني، والتي يقولون إنها ليست قوية بما يكفي لكبح النشاط العسكري الإيراني.
وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أخيرًا، أن يكون للاتفاق أي صلة بمحادثات أخرى مع إيران أو أي علاقة بالاتفاق النووي الإيراني، فإن صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت في تقرير سابق لها عن اثنين من المسؤولين الإسرائيليين زعموا أن تبادل السجناء جزء من مجموعة أكبر من التفاهمات بين طهران وواشنطن، الذين كانوا يعملون نحو ترتيب غير رسمي من شأنه أن يحد من البرنامج النووي الإيراني.
وبالفعل، أبطأت إيران تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة وخفضت كمية صغيرة من مخزونها، وفق ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أخيرًا.