عرس كبير يجوب أنحاء المدينة القديمة، بشوارعها وأزقتها وأماكنها التاريخية، رفقة الأهالي سيرًا على الأقدام، معتقدين بأنه حدث حقيقي، لكنهم يدركون في نهايته أن هذا العرس ما هو إلا جزء من مسرحية تؤرخ لفترة مهمة في تاريخ القدس المحتلة.
"فسيفساء القدس"، مسرحية صاغ فكرتها وشارك في تمثيلها الفنان الفلسطيني حسام أبو عيشة، وتعود أحداثها إلى حقبة الستينات من القرن الماضي، وتحديدًا من عام 1966 حتى منتصف 1967 قبيل النكسة، وتسرد قصة حب قديمة بين "صالح وبسمة"، رمزان للحب النقي الطاهر في هذه الفترة، وقدم الممثلون العرض عبر جولة في الشوارع والبيوت الحقيقية التي يمتد تاريخها إلى عقود طويلة، يصاحبهم الجمهور، وذلك بحسب ما أكده بطل ومؤلف العرض حسام أبو عيشة لموقع "القاهرة الإخبارية".
70 دقيقة في شوارع القدس المحتلة
أكثر من 70 دقيقة هي المدة التي يجوب فيها الجمهور سيرًا على الأقدام شوارع القدس المحتلة مع صنّاع العرض، فيخرجون من باب العمود وهو أحد أبواب المدينة القديمة، حتى باب الأسباط، مرورًا بأكثر من 30 موقعًا تاريخيًا ودينيًا ومجتمعيًا وثقافيً، وأكد "أبو عيشة"، أن الهدف من وراء تقديم العرض في شوارع القدس هو إعادة إحياء الشارع المقدسي في فترة المساء، وقت عرض المسرحية الذي يبدأ في الخامسة مساءً.
يبدو أن هذا لم يكن الهدف الرئيسي فقط، وأن هناك رسالة ضمنية تحملها المسرحية، وهي أن "الشعب الفلسطيني في انتظار استكمال العرس بالتحرر من الاحتلال"، بحسب ما أكده "حسام"، خلال سرده قصة المسرحية، التي يمتزج فيها الواقع بالخيال، قائلاً: "المسرحية تستعرض عادات وتقاليد القدس وأهلها منذ 6 عقود مضت، وأيضًا الأكلات التي كانت موجودة منذ الستينات والتي تشتهر بها المدينة القديمة، ويتجول بطلا العمل (صالح وبسمة) في الأماكن الحقيقية بالقدس وعند الوصول إلى المدرسة العمورية -وهي أول منطقة دخلها عمر بن الخطاب- يبدأ دوري بطلب يد بسمة لتزويجها صالح، وعلى أنغام (دقوا المزاهر يا أهل البيت تعالوا)، يحدث قصف إسرائيلي وينفض العرس".
الجمهور جزء أساسي من العرض
يمثّل الجمهور جزءًا أساسيًا من العرض وشريكًا مع صنّاعه، فلا يمكن أن تميز بين الممثلين والجمهور، فتفاعلهم مع المسرحية دفعهم للمشاركة في العرس مثلما كان يحدث في أي منطقة قديمة في مثل هذه الليلة.
وعن ردود فعل الجمهور حول العرض، قال "أبو عيشة": "حالة من الصدمة انتابت الجمهور، إذ لم يصدق البعض شكل الحياة في القدس في ستينات القرن الماضي لما كانت تحمله من حب وتكافل اجتماعي وطيبة وروح مجتمعية، كما أنهم غاصوا بداخل المناطق التاريخية، فتحدث العرض عن شخصيات مقدسية مؤثرة لها إسهامات في كل المجالات، فضلاً عن الحديث عن أحيائها المختلفة مثل الحي المغربي والإفريقي والهندي والقبطي والأرميني، ومن هنا سُميت المسرحية (الفسيفساء)، فلا يمكن أن نتخيل شكل القدس دون هذه الجاليات المختلفة".
المحبَّةُ والسلام مُقَدَّسَان
لم يجد حسام أبو عيشة، طريقة يختم بها العرض سوى قصيدة عبرت عن حال القدس للشاعر محمود درويش يقول فيها: "في القدس، أَعني داخلَ السُّور القديمِ، أَسيرُ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ بلا ذكرى، تُصوِّبُني. فإن الأنبياءَ هناك يقتسمون، تاريخَ المقدَّس... يصعدون إلى السماء، ويرجعون أَقلَّ إحباطاً وحزناً، فالمحبَّةُ، والسلام مُقَدَّسَان وقادمان إلى المدينة".
وحرص "أبو عيشة" على توثيق العروض بتصويرها، تمهيدًا لعرضها على القنوات المختلفة، لتكون شاهدة على مناطق وأحداث محفورة في ذاكرة كل فلسطيني.