بكاميرته، رصد المخرج المصري البارز عاطف سالم، مناحي مختلفة ومتعددة من المجتمع المصري، ليست فقط تلك المتعلقة بقضاياه ومشاكله وأزماته، لكن تخطى ذلك بالتعبير عن الأحلام التي تطارد الشباب، والطموح داخلهم، وأيضًا كان للأسرة المصرية نصيب من أعماله التي تعد نموذجًا مميزًا للأفلام السينمائية التي تغوص داخل البيت المصري.
عاطف سالم الذي تحل اليوم 23 يوليو ذكرى ميلاده الـ102، يسجل تاريخه الفني العديد من المحطات البارزة، التي أثرت بشكل كبير في تكوين أجيال متعددة حتى وقتنا هذا، ويمتد أثرها إلى تغيير بعض القوانين، مثلما حدث في فيلمه " جعلوني مجرمًا" الصادر عام 1954، في السنوات الأولى من توليه مهمة الإخراج، بعدما عمل مخرجًا مساعدًا في العديد من الأفلام.
الفيلم الذي وصفه بطله فريد شوقي بأنه علامة وبصمة خاصة في السينما المصرية، نجح في تغيير القانون الجنائي المصري، وألا توضع السابقة الإجرامية الأولى في الصحيفة الجنائية، ليكلل الشريط السينمائي مجهود صُناعه الذي استمر نحو عام من التحضيرات، سواء على مستوى السيناريو أو الإخراج، إذ حرص عاطف سالم على نقل تفاصيل خاصة من حياة المشردين في الشارع والذين يفترشون الأرصفة، بالذهاب مرارًا بصحبة كاميرته إلى شارع قصر النيل الشهير بمنطقة وسط البلد بالقاهرة، لأن الفيلم يناقش هذه القضية بشكل شديد الواقعية.
الواقعية التي يتناولها عاطف سالم في أفلامه ليست تلك المقتصرة على مشاكل وأزمات المجتمع، بل إنه عندما يقرر أن يدخل بكاميرته إلى البيت المصري، ينقل مفرداته الخاصة، ويصبغها بجانب كوميدي، لتصدر تحفته السينمائية شديدة التميز "أم العروسة" بطولة عماد حمدي وتحية كاريوكا عام 1963، ويتبعها بالجزء الثاني "الحفيد" بطولة عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار.
وإن كان البعض يعتقد أن الكوميديا وسيلة هروب من الواقع، كان المخرج الراحل يوظفها لكي تنقله وتعبر عنه، إذ يتشارك "أم العروسة" و"الحفيد" في أنهما يتعرضان لمشاكل العائلة المصرية وزواج الأبناء والأزمات التي تواجههما واختلاف الأجيال أيضًا، لكن في إطار لا يخلو من البسمة.
طموحات الجيل
الأمل والطموح في سينما عاطف سالم، يعبر عنهما أيضًا من خلال الواقع، إذ في فيلمه الشهير "النمر الأسود" –من إنتاجه أيضًا- استلهم قصة حقيقية لشاب مصري مكافح سافر إلى ألمانيا جسد دوره أحمد زكي، ورغم ظروفه المعيشية الصعبة استطاع أن يكون أحد أبرز رجال الأعمال ويحقق نجاحًا خاصًا، ليصيغها المخرج رفقة المؤلف أحمد أبو الفتح والسيناريست بشير الديك مع دراما رومانسية ناعمة، صنعت وقتها نجومية الفنانة وفاء سالم، التي رغم مشاركتها في عدة أعمال فنية فيما بعد، لا يزال دور الفتاة الألمانية "هيلجا" محتفظًا بعطر تأثيره حتى الآن.
يتابع المخرج عاطف سالم الشخوص الدرامية بأعماله الفنية وفق رؤية خاصة، ليفاجئ الجمهور والنقاد باختيارات قد تبدو غريبة وقتها لكنها بعد العرض تثبت عبقرية الاختيار، إذ قدم عماد حمدي في دور الأب بعد سنوات ممتدة من دور الفتى الأول بفيلم "أم العروسة"، ليخلق تناغمًا شديد التوافق مع تحية كاريوكا، وقال عن ذلك الاختيار في لقاء تليفزيوني قديم إن علاقة الصداقة القوية مع عماد حمدي والثقة الشديدة بينهما جعلته يوافق على الدور، الذي كان مغامرة كبيرة وقتها، لكني رأيت توافقًا كبيرًا بينهما في الأداء.
الأمر ذاته حدث مع النجم رشدي أباظة الذي فاجئ الجمهور بدوره المميز في فيلم "صراع في النيل" الصادر عام 1959، مجسدًا دور "الريس مجاهد" ابن محافظة الأقصر (جنوبي مصر)، الذي يعلق عليه أهل بلدته الآمال في أن يشتري قاربًا تجاريًا لتزدهر تجارتهم، وفي رحلته لشراء "الصندل" يحمي "محسب" أو عمر الشريف والقارب من اللصوص.
كما أن المخرج الراحل ينسب له الفضل في اكتشاف النجمة نبيلة عبيد، وقدمها للسينما للمرة الأولى عام 1961 من خلال فيلم "مفيش تفاهم" ثم أتبعه بـ"زوجة من باريس" و"المماليك"، وتزوجها أيضًا لكن الزواج لم يستمر سوى نحو 4 سنوات.
"يوم من عمري" بالرؤية المصرية
المنظور أو الرؤية الخاصة التي امتلكها عاطف سالم لا تقتصر على تقديم الممثلين في شكل جديد أو اكتشاف آخرين، بل إنه كان يضع لمسته المصرية الخاصة عند تصديه لتجربة تعريب عمل فني أجنبي، إذ يتضح ذلك جليًا في فيلمه "يوم من عمري" بطولة عبد الحليم حافظ وزبيدة ثروت، المأخوذ عن فيلم Roman Holiday بطولة جريجوري بيك أودري هيببورن، وحقق العمل نجاحًا كبيرًا وقت عرضه، ليكون أحد الشرائط السينمائية المميزة في تاريخ المخرج الذي رحل عن عالمنًا يوم 30 يوليو 2002.