انطلق التصويت في الانتخابات العامة المبكرة بإسبانيا، صباح اليوم الأحد، وسط منافسة حادة بين أحزاب اليمين واليسار على الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، التي تتيح للطرف الفائز تشكيل الحكومة المقبلة بشكل منفرد.
ويبدو أنّ تصويت اليوم سيكون الأكثر أهمية في إسبانيا منذ وفاة فرانسيسكو فرانكو، إذ يمكن أن تؤدي النتائج إلى تشكيل حكومة إسبانية تضمّ أغلبية وزراء من اليمين الموصوف بالتطرف، لأول مرة.
وتميل كفة استطلاعات الرأي إلى فوز اليمين، على حساب رئيس الوزراء الاشتراكي بيدرو سانشيز، رغم ترجيح عدم تحقيق أيّ طرف فوز يتيح له الإمساك بمقاليد السلطة منفردًا.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن الانتخابات، التي رسمها العديد من المرشحين على أنها تصويت على مستقبل إسبانيا، ستحقق على الأرجح فوزًا للحزب الشعبي المنتمي ليمين الوسط، لكن لتشكيل حكومة سيحتاج إلى شراكة مع حزب فوكس اليميني المتطرف، وهي المرة الأولى التي يدخل فيها حزب يميني متطرف الحكومة منذ انتهاء حكم فرانسيسكو فرانكو في السبعينيات.
الاشتراكيون في موقف صعب
ويمسك رئيس الوزراء سانشيز بمقاليد السلطة منذ عام 2018، بينما يتوقع كثيرون انتهاء المسيرة السياسية للاشتراكي البالغ من العمر 51 عامًا.
وصل سانشيز إلى رئاسة الوزراء بعدما حجب البرلمان الثقة عن حكومة رئيس الوزراء السابق المحافظ ماريانو راخوي، بدعم من مجموعة أحزاب اليسار وممثلين سياسيين للباسك وكاتالونيا.
وأقرّت حكومته سلسلة من التشريعات المثيرة للجدل، مثل الموت الرحيم، والسماح لمن بلغ السادسة عشرة بتغيير جنسه في بطاقة الهوية، عبر مجرد التصريح بذلك.
وعزّز أستاذ الاقتصاد السابق تأثير مدريد في الاتحاد الأوروبي، التي تتولى حاليًا رئاسته الدورية، وهو أول رئيس وزراء إسباني يتحدث الإنجليزية بطلاقة.
ودعا سانشيز، المعروف بإقباله على المخاطرة، إلى الانتخابات المبكرة في أعقاب خسارة الاشتراكيين والتحالف اليساري في انتخابات محلية وإقليمية أُجريت في أواخر مايو الماضي.
الحزب الشيوعي الإسباني
وتمكنت وزيرة العمل، يولاندا دياز، المنتمية إلى الحزب الشيوعي الإسباني، من استقطاب دعم 15 حزبًا يساريًا صغيرًا، بما فيها "بوديموس"، لتشكيل تحالف جديد تقوده يحمل اسم "سومر".
ووفق استطلاعات الرأي، أصبحت دياز (52 عامًا)، التي كانت مغمورة لدى تعيينها وزيرة للعمل عام 2020، أكثر زعيمة حزب تحظى بثقة الإسبان.
وتمكنت السياسية، التي تُعرف بشخصيتها المحبَّبة، من التفاوض على اتفاقات لتغطية رواتب الموظفين خلال جائحة كورونا، وتحقيق زيادة مهمة للحدّ الأدنى للأجور، والدفع في اتجاه إصلاح أساسي لقانون العمل، يحدّ من اعتماد العقود الموقتة.
وطرح "سومر"، الذي يأمل أن يصبح شريكًا لحزب سانشيز في الحكم، برنامجًا انتخابيًا يعتمد مبادئ أقصى اليسار. ومن طروحاته الأساسية توفير ما يصل إلى 20 ألف يورو للشباب من أجل إنفاقها على الدراسة أو التدريب المهني.
صعود اليمين
وفي مقابل الاشتراكى سانشيز، يبرز منافسه المحافظ ألبرتو نونيس فيخو (61 عامًا)، بعد نحو عام في زعامة الحزب الشعبي، تمكّن خلاله من إعادة الاستقرار إلى التشكيل اليميني، بعد أزمة داخلية كانت بين الأسوأ في تاريخه.
وترأّس فيخو الحكومة الإقليمية في مسقط رأسه، منطقة جليقية "جاليسيا"، في شمال غربي إسبانيا، مدة 13 عامًا، بالإضافة إلى ترؤسه خدمات البريد والخدمة الصحية.
وفي عهده، حلّ الحزب الشعبي في صدارة استطلاعات الرأي. وتعهّد، في حال فوزه، بإبطال عدد من القوانين التي أقرّتها حكومة سانشيز، وأحدها متعلّق بالتعامل مع إرث حقبة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو (1939-1975).
كما اتهم سانشيز بخيانة إسبانيا، من خلال الاعتماد على دعم الأحزاب الانفصالية الباسكية والكتالونية من أجل إقرار القوانين، والعفو عن قادة كتالونيين كانوا يُمضون عقوبات بالسَّجن، على خلفية محاولة انفصال فاشلة في عام 2017.
اليمين المتطرف
ولم يستبعد اليميني المعتدل فيخو، التحالف مع حزب "فوكس" اليميني المتهم بالتطرف، للإمساك بالسلطة، في حال فاز الحزب الشعبي بأكثرية المقاعد من دون التمكن من تحقيق أغلبية كافية، وهو ما ترجحه استطلاعات الرأي.
وسبق للطرفين أن تحالفا في عدد من المناطق والبلديات في أعقاب انتخابات مايو، على رغم المواقف المتشددة لـ"فوكس" في بعض القضايا الاجتماعية.
وساهم سانتياجو أباسكال في تأسيس حزب "فوكس"، أي "الصوت"، اليميني المتهم بالتطرف، في 2013 بعد أعوام طويلة من الانتساب إلى الحزب الشعبي.
ويعرف السياسي، البالغ من العمر 47 عامًا، بخطابه الشعبوي، وموقفه المتشدّد حيال استقلال كتالونيا. وساهم في تحويل الحزب إلى "صانع ملوك" محتمل في المشهد السياسي الإسباني.
وزادت شعبية الحزب، بصورة مطّردة، في أعقاب فشل محاولة الاستقلال الكاتالونية عام 2017، وأصبح ثالث أكبر حزب في البرلمان بنتيجة انتخابات 2019.
ويعارض الحزب انتشار الشذوذ الجنسي والحقّ في الإجهاض، ويرفض تدخل الحكومة في مكافحة العنف على أساس "الجنس"، كما ينتقد "التشدد" في قضايا المناخ، ويريد تقليص المساعدات للمهاجرين.
وأقام "أباسكال" روابط قوية بسياسيين متشددين من اليمين في مختلف أنحاء أوروبا، من المجر إلى إيطاليا.
وقد يُضاف هذا الاحتمال إلى فرصة حدوث تغيير أوسع نطاقًا في أوروبا، قبل انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل، ويمنح القوى اليمينية الأوروبية الأخرى دفعةً مهمة، وهي التي تريد أن يتخذ الاتحاد الأوروبي مواقف أكثر تشددًا في كلّ شيء، من سياسة المناخ إلى الهجرة.
ويعتمد تشكيل حكومة جديدة على مفاوضات معقدة قد تستغرق أسابيع أو شهورًا وربما تنتهي بانتخابات جديدة. ويمكن أن تؤثر حالة الضبابية هذه على كفاءة مدريد التي تتولى في الوقت الراهن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر.