الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد لقاء بوتين.. ما مصير مجموعة "فاجنر"؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - محمد حافظ

أثار لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع قادة مجموعة "فاجنر" شبه العسكرية، على رأسهم مؤسس المجموعة يفجيني بريجوجين لمدة 3 ساعات، 29 يونيو الماضي، بعد أيام من إعلان تمرده على القيادة العسكرية العليا للجيش الروسي، ضجة كبيرة، بعدما كشفت تصريحات الرئيس الروسي لصحيفة "كوميرسانت"، تقديم بوتين عرضًا لقادة المجموعة بتعيين أحد قادة المجموعة المُلقب بـ"سيدوي" خلفًا لبريجوجين.

وتشكك القوى الغربية في انتهاء أزمة التمرد وتبعاتها، خاصة في ظل وجود قيادة "فاجنر" بمدينة سانت بطرسبرج، وعدم انتقالها إلى بيلاروسيا، وفق الاتفاق الذي أعلن التوصل إليه الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بتعهد من نظيره الروسي بعدم اغتيال بريجوجين بعدما وصف تمرده بـ"طعنة في ظهر روسيا" وخيانة على المستوى الداخلي.

ومع إعلان وزارة الدفاع، الأربعاء 12 يوليو 2023، تسلم حزمة جديدة من أسلحة ومعدات "فاجنر"، يثور التساؤل حول مصير المجموعة العسكرية الخاصة الأكثر إثارة للجدل، خصوصًا حول مصير عملياتها وتوسعاتها بالخارج، التي تشمل السيطرة على مناجم ذهب في بعض البلدان حول العالم.

"فاجنر" والتدابير ما دون الحربية:

تدفعنا هذه الضجة لطرح عدد من التساؤلات، حول عدد قوات فاجنر وإمكاناتها التسليحية، للإجابة على هذه التساؤلات يتطلب الأمر الرجوع إلى نشأة المجموعة وعلاقتها بالجانب الرسمي في روسيا أولًا.

(*) نشأة المجموعة: ظهرت شركة فاجنر في شرق أوكرانيا، مارس 2014، وعملت في شبه جزيرة القرم، وإقليم دونباس، وخاضت معارك عنيفة ضد القوات الأوكرانية، فهي لم تنشأ بقرار في 2014، لكن لها جذور في العديد من الشركات العسكرية والأمنية الروسية الخاصة، وتعتبر فاجنر في مقدمة الشركات التي تنفذ الأهداف الروسية في أماكن تواجدها.

(*) التدابير ما دون الحربية: تعتبر مجموعة "فاجنر" أحد أذرع روسيا، منذ مشاركتها في معارك شرق أوكرانيا، عام 2014، ولديها روابط مع وزارة الدفاع الروسية (وتشير وسائل الإعلام الغربية إلى اتصال المجموعة بجهاز المخابرات العسكرية الروسي، وجهاز الأمن الفيدرالي (SB)، ورأى القادة الروس حينذاك، أنهم في حاجة إلى استخدم مفهوم "التدابير ما دون الحربية"، الذي سبق أن استخدمته في حرب جورجيا بأوسيتيا الجنوبية عام 2008، وحقق نجاحًا وأثقلته التجربة في شرق أوكرانيا 2014.

يعتمد تطبيق مفهوم "التدابير ما دون الحربية"، على عدد من الاستخدامات من بينها، السرية والخداع، واستخدام المرتزقة، والسجناء والخارجين عن القانون، وخوض حرب العصابات والحروب غير النظامية، وتنفيذ الاغتيالات. ويقع ضمن التدابير ما دون الحربية أيضًا، مهام بث ونشر الدعاية المضللة، وتوجيه الرأي العام.

وبالتالي دعت حاجة روسيا إلى استخدام شركة فاجنر للقيام بهذه التدابير، على اعتبار أن مثل هذه القوات تتميز أعمالها بالسرية، كما أنها تعد مثالية للاختباء الروسي الرسمي خلفها، لتجنبها أي إدانة دولية أو إقليمية من جانب، أو الاشتباك النفسي والمعنوي مع الداخل الروسي في حال وقوع ضحايا من جانب آخر.

وارتبط هذا التوجه بوصول الرئيس بوتين للحكم، إذ اعتمد على هذه الشركات في أداء بعض المهام. وبالرغم من أنها على صلة بالكرملين، لكن الشركات العسكرية الخاصة غير مقننة في روسيا، وهو ما وفر درجة من الغموض للدولة الروسية إمكان إنكار ارتباط المجموعة بها، قبيل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وهي ميزة أخرى فريدة للشركة.

(*) انتشار المجموعة: أشارت التقديرات الأمريكية والبريطانية، يناير الماضي، إلى أن عدد قوات مجموعة فاجنر في أوكرانيا، يبلغ نحو 50 ألف مقاتل، لكن تطورات المعارك في مدينة باخموت كبدت المجموعة خسائر قُدرت بنحو 20 ألف مقاتل، كما أن التوتر بين بريجوجين ووزارة الدفاع قيد قدرة المجموعة على تجنيد المزيد من السجناء للقتال في صفوف "فاجنر"، وقدرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أواخر يونيو 2023، بنحو 30 ألف مقاتل في أوكرانيا، بينما أشار بريجوجين لقوام المجموعة ضمنيًا حينما أعلن خلال التمرد، تحركه على رأس 25 ألف مُقاتل.

ويشير تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، في عام 2021، أن عدد البلدان التي تعمل فيها شركة "فاجنر" والشركات العسكرية الروسية بشكل عام، ارتفع بمقدار سبعة أضعاف بين عامي 2015 و2021 من 4 دول إلى 27 دولة في 2021.

وتباينت التقديرات بشأن عدد قوات فاجنر خارج روسيا وأوكرانيا، إلا إن عدد عناصرها في إفريقيا يتراوح بين 5000 و6000 جندي، أغلبهم في مالي وإفريقيا الوسطى، ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال، عن مستشار الأمن الرئاسي بجمهورية إفريقيا الوسطى فيدل جوانجيكا، إن وزارة الدفاع الروسية تدفع رواتب 3000 من مجموعة فاجنر، فضلًا عن ارتباطها بمجموعة محلية في بانجي تقدر بنحو 5 آلاف مقاتل.

(*) تكوين فاجنر: تضم "فاجنر" تحت لوائها قُدامى المحاربين، هم عناصر سابقة في وحدات النخبة العسكرية، ممن حصلوا على تدريب جيد، ومتطوعين مختلفين من غرب البلقان، ومن القوقاز ومن آسيا الوسطى ومن أوروبا الغربية، ومتطوعين للقتال بأجر من بعض الدول الشرق أوسطية والإفريقية، وعناصر إجرامية، وعناصر من السجون.

تتميز تلك المجموعات بأن لديها مهارات قتالية، بفعل عدد من العوامل، تتبلور في اكتساب أعضائها الخبرات القتالية من خلال التدريبات، التي قام بها الجيل المؤسس للشركات الأمنية والعسكرية الروسية الخاصة، إذ كان هذا الجيل من العسكريين والأمنيين المُسرحين من الجيش الروسي، أثر انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989.

سيدوي مرشح الرئيس الروسي لقيادة "فاجنر"

وفي ظل الحرب الأوكرانية الدائرة الآن عمل أفراد المجموعة في الخطوط الأمامية بجوار الجيش النظامي الروسي، وتمكنوا من تحقيق انتصارات، والسيطرة على مدن "سفيرودونيتسك، بوباسنا، وباخموت".

لم يكن لمجموعة "فاجنر" مقر في البداية، وإنما كانت عبارة عن قاعدة تدريب سرية في مولينكو، بمنطقة كراسنودار، بجوار منشأة تدريب للقوات الخاصة العاملة ضمن اللواء العاشر، في الاستخبارات العسكرية (GRU) في جنوب روسيا، إذ استفاد عناصرها من القواعد العسكرية الروسية والشبكات اللوجستية الموجودة هناك.

وفي مطلع نوفمبر 2022، تم تدشين أول مقر رسمي "لفاجنر" في مدينة سانت بطرسبرج، وكانت تدرب المجموعة عناصرها الجدد في معسكرات تدريب تابعة لوزارة الدفاع الروسية، تقع بالقرب من قرية "مولكين" قرب مدينة "كراسنودار".

(*) الميزانية: تبلغ ميزانية مجموعة فاجنر نحو مليار و200 مليون دولار سنويًا، وفق تقديرات الولايات المتحدة الأمريكية، وبمعدل 100 مليون دولار شهريًا للمقاتلين بأوكرانيا فقط، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات صحفية، إذ ذكر أن بلاده أنفقت في الفترة من مايو 2022 إلى مايو 2023، ما يقرب من مليار دولار لتمويل المجموعة. وأشارت وكالة "رويترز"، 11 يوليو الجاري، نقلًا عن تقرير تلفزيوني حكومي إلى أن مجموعة "فاجنر" تلقت من الميزانية الروسية ما إجماليه 19 مليار دولار (1.7 تريليون روبل).

(*) التسليح: تمتلك "فاجنر" كل أنواع التسليح، بداية من السلاح الخفيف والمتوسط وصولًا للأسلحة الثقيلة، وشملت مضادات الطائرات، والدبابات، والطائرات المُسيرة، ويختلف تسليح عناصر فاجنر من منطقة لأخرى، حسب طبيعة تطور النزاع في البلد المنخرطة فيها، فعلى سبيل المثال يختلف تسليح قوات فاجنر العاملة في مناطق النزاع المسلح يكون تسليحها ثقيل، بينما يقتصر تسليحها على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في المهام الأمنية، مثل حماية المنشآت والاستثمارات والحراسات الخاصة، بينما يتاح لكل عناصر فاجنر كل العتاد وإمكانات التسليح التي تتاح لعناصر الجيش النظامي في الحرب مع أوكرانيا.

بشكل عام امتلكت "فاجنر" كل القدرات التسليحية، خفيفة ومتوسطة وثقيلة "بنادق خفيفة وبنادق قنص، صواريخ أرض-جو، دبابات هجومية، ومركبات قتالية، والألغام وصواريخ قصيرة المدى". بجانب ناقلات الجند بفئاتها المختلفة.

ومع بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، العام الماضي، دخل ضمن تسليحها أنواع أخرى من الأسلحة، وهو ما كشفت عنه بيانات وزارة الدفاع الروسية، آخرها الأربعاء 12 يوليو 2023، حول تسلم أسلحة مجموعة "فاجنر" عقب التمرد الفاشل بما في ذلك الطائرات الاستطلاعية بدون طيار من طراز "أورلان"، ومنظومات "بانتسير" المضادة للطائرات والعربات المقاومة للألغام، بجانب دبابات من طرازات مختلفة "تي-90"، وتي-80، "تي-72"، و"تي-62"، وراجمات الصواريخ من طرازي "جراد" و"أوراجان"، وقذائف هاون ومدافع مختلفة الطرازات "توليب 152 ملم"، "جفوزديكا"، "توليب 240 ملم"، و"أكاسيا".

مصير "فاجنر":

في إطار مساعي موسكو لإعادة النظر بوضع مجموعة "فاجنر" وإعادة تنظيمها، قال الرئيس بوتين، في حديثه مع صحيفة "كوميرسانت"، 14 يوليو الجاري، إنه اقترح تعيين سيدوي خلفًا ليفجيني بريجوجين لقيادة المجموعة، خلال لقائه مجموعة من قادة الشركة العسكرية الخاصة، أواخر يونيو 2023، وهو ما يمكن استقراء تأثيره على مصير المجموعة عبر أحد السيناريوهين التاليين:

(#) السيناريو الأول؛ تصفية فاجنر: هو قيام الجهات الرسمية في روسيا بتصفية الشركة وتحجيم نفوذها تدريجيًا عبر تقليص مهامها ونفوذها وعدد أفرادها وتقديم حوافز للانضمام إلى الجيش الروسي، وفي كل الدول التي تعمل بها هذه الشركة، وإسناد المهام والعمليات ذات الصلة والمكلفة بها في الداخل والخارج، إلى شركات أخرى تقوم بهذه الأدوار.

(#) السيناريو الثاني؛ إعادة الهيكلة: وهو الأكثر ترجيحًا، ويتمثل في السيطرة والهيمنة الكاملة على "فاجنر"، وإعادة هيكلتها، من خلال تنحية القادة الكبار والتقليدين لهذه الشركة وفروعها بالداخل والخارج، واستبدالهم بقيادات أخرى أكثر ولاءًا، تعينهم هذه الجهات الرسمية، مع الإبقاء على الشركة الأم في القيام بتأدية المهام الموكلة لهم ولما تحظى به فاجنر من شهرة ومكانة كبيرة في الدول التي تعمل فيها خاصة دول القارة الإفريقية. وتعتبر الذراع الروسي فيها، وحقق تواجدها نجاحًا كبيرًا للسياسة الروسية بالقارة الإفريقية.

مجمل القول؛ إن شركة "فاجنر" بما تمتلكه من هيكل شبه مستقل، وعناصر مدربة على ظروف النزاعات المسلحة، وبما تمتلكه من جناح اقتصادي يتمثل في عوائدها المالية، وقدرات التسليح، يؤهلها لأن تستطيع أن تسبب قلاقل كبيرة، خاصة أنها تمتلك "الإعلام والمال والعتاد والرجال".

وبالتالي فإن استغناء الجهات الروسية عن "فاجنر" يكاد يكون من الصعب في الوقت الراهن، الذي تخوض فيه روسيا حرب لا هوادة فيها مع أوكرانيا ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، تعهدوا جميعًا بتقديم دعم لا نهائي لأوكرانيا حتى يتحقق لها النصر على روسيا، في قمة حلف الناتو الأخيرة، بليتوانيا 11 و12 يوليو 2023.

ومن المرجح أن تعيد روسيا هيكلة شركة "فاجنر" لتقوم من خلالها بتأهيل عناصرها وإعادة تدريبهم وتسليحهم، للقيام بمهام جديدة قد تكون مناسبة لهذه لمرحلة، التي تحتاج إلى صياغة أدوار ومهام جديدة.

وسوم :فاجنر